غيره أيضا ، من أكابر الأولياء بعد هذا الكلام ، تعليل أن ( العرش ) الذي على ( الماء ) هو الملك . ولكون العرش الجسماني صورة من الصور الفائضة على الهيولى ، يصدق عليه أيضا أنه على الماء ، كما أشار قوله تعالى : ( والبحر المسجور ) أي ، الممتلئ من الموجودات . وهو البحر الذي موجه صور الأجسام كلها [4] وإنما أطلق اسم ( الماء ) عليه ، لأن الماء العنصري مظهر له ، لذلك اتصف بصفاته ، فصار مادة لجميع ما في العالم الجسماني من السماوات والأرض والنبات والحيوان . وأيضا ، لما أطلق عليه ( النفس ) مجازا ، تشبيها بالنفس الإنساني ، أطلق اسم ( الماء ) عليه مجازا ، لأن ( النفس ) بخار ، والبخار أجزاء صغار مائية مختلطة بأجزاء هوائية . فحصل أن ( الماء ) كما يطلق على الماء المتعارف ، كذلك يطلق على الهيولى وعلى ( النفس الرحماني ) الذي هو هيولى جميع العالم وأصله .
[4] - و ( البحر المسجور ) هو الهيولى المملؤة بالصور التي يظهر عليها جميع ما أثبت في الألواح المذكورة . ويمكن أن يكون المراد ب ( البحر المسجور ) مادة البدن المملوة بالصور المختلفة من الغاذية والمنمية ، وسائر الصور المادية ، والصور الباصرة والسامعة والشامة والذائقة ، والصور الخيالية والذاكرة والواهمة . وإن كان المراد ب ( الصورة ) النفس الناطقة ، يكون لها مادة واحدة ، وهي مع تكثرها موجودة بوجود النفس الكلية الناطقة . وفي المادة يظهر صورة كلية ، وفي حيطة تصرفها صور ومواد ، لا يزال يظهر في المواد أمواج من ناحية الصور المتجددة المتصرمة . وكلها من شؤون غيب ذاتها ، وهي النفس التي في وحدتها كل القوى . ( ج )