ولأجل سريان هذه الحياة الذاتية في الماء ، جعل الله من الماء كل شئ حي . أي ، كل ماله حياة خلق من الماء ، إذ النطف التي تخلق الحيوان منها ماء ، وما يتكون بغير توالد فهو أيضا بواسطة المائية المتعفنة . وكذلك النباتات أيضا لا تنبت إلا بالماء . ولما كان كل ما هو في الوجود مسبح لربه تعالى بالنص الإلهي ، ولا يسبح إلا الحي ، قال : ( فكل شئ حي ، وكل شئ الماء أصله . ألا ترى العرش كيف كان على ( الماء ) لأنه منه تكون فطفا عليه . ) أي ، علا وارتفع عليه . والمراد بالماء الذي هو أصل كل شئ ( النفس الرحماني ) الذي هو الهيولى الكلى والجوهر الأصلي ، كما تقدم أن صور جميع الأشياء حاصلة عليه ، لا الماء المتعارف . فهو الماء الذي كان عرش الله عليه ، إذ العرش كما يطلق ويراد به ( الفلك الأطلس ) ، كذلك يطلق و يراد به ( الملك ) . كما قال الشيخ ، رضى الله عنه ، في الباب الثالث عشر من الفتوحات : ( إن العرش ) في لسان العرب يطلق على ( الملك ) يقال : ثل عرش الملك . أي ، دخل خلل في ملكه . ويطلق ويراد به ( السرير ) [3] ونقل عن
[3] - اعلم أيها الولي الحميم والصفي الكريم تولاك الله بحفظه ، أن ( العرش ) في لسان العرب يطلق ويراد به ( الملك ) . يقال : ثل عرش الملك . إذا دخل في ملكه خلل . ويطلق ويراد به ( السرير ) . فإذا كان العرش عبارة عن ( الملك ) ، فتكون حملته هم القائمون به . وإذا كان العرش ( السرير ) ، فتكون حملته ما يقوم عليه ( السرير ) من القوائم ، أو من يحملونه على كواهلهم . والعدد يدخل في حملة العرش . وجعل الرسول حكمهم في الدنيا أربعة ، و في القيامة ثمانية . فتلا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : ( ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ) . ثم قال : ( وهم اليوم أربعة ) . ( الفتوحات المكية ، ط عثمان يحيى ، ج الثاني ، ص 347 ) كان المتصدي للطبعة الأولى للفتوحات المكية الرئيس الأعلى الروحي للثورة الجزائرية ، الأستاذ العارف ، السيد عبد القادر الجزائري ، الذي كان متحققا في التصوف علما وعملا ، وكان من أكابر أهل الحق واليقين . وله آثار عرفانية وتعاليق جيدة على الفتوحات المكية . وهو رب السيف والقلم . وتلميذ الشيخ وولده في القران التاسع عشر ، وناشر الفتوحات لأول مرة . ( ج )