( وإذا علمت أن الله راعى هذه النشأة ) وراعى ( إقامتها ، فأنت أولى بمراعاتها ، إذ لك بذلك السعادة ) أي ، لأن مراعاتها توجب لك السعادة . ( فإنه ما دام الإنسان حيا ، يرجى له تحصيل صفة الكمال الذي خلق له . ) فإذا راعيته وأعنته ليصل إلى كماله ، تجازى بأحسن الجزاء . ( ومن سعى في هدمه ، فقد سعى في منع وصوله لما خلق له . ) فيجازى من الحق بمثله ، فيمنع من وصوله إلى كمال نفسه ، لأن الوجود مكاف . ( وما أحسن ما قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : ( ألا أنبئكم بما هو خير لكم وأفضل من أن تلقوا عدوكم فتضربوا رقابهم ويضربون رقابكم ؟ ذكر الله ) . ) أي ، ذكر الله أفضل من الغزو في سبيل الله ومن الشهادة فيه ، لأنه موجب لهدم بنيان الرب من الطرفين ، وإن كان فيه إعلاء كلمة الله ورفع أعلام الله و ثواب الشهادة ، لكن كل ذلك لا يقابل لما في هدم بنيان الله من الشر . ( وذلك أنه لا يعلم قدر هذه النشأة الإنسانية إلا من ذكر الله الذكر المطلوب منه . فإنه تعالى جليس من ذكره . والجليس مشهود للذاكر . ومتى لم يشاهد هذا الذاكر الحق الذي هو جليسه ، فليس بذاكر . ) ذلك إشارة إلى كون الذكر أفضل من الغزو والشهادة في سبيل الله . وإنما كان كذلك لأن ثوابهما حصول الجنة ، والذاكر جليس الحق تعالى - كما قال : ( أنا جليس من ذكرني ) . - والجليس لا بد أن يكون مشهودا ، فالحق مشهود الذاكر ، وشهود الحق أفضل من حصول الجنة . لذلك كانت الرؤية بعد حصول الجنة وكمال تلك النعمة . وقوله : ( أنه لا يعلم قدر هذه النشأة . . . إلا من ذكر الله الذكر المطلوب ) إعتراض إنما جاء به تنبيها على حقيقة الذكر ومراتبه ، ليعلم متى يكون الحق جليسا للذاكر . والمراد بالذكر المطلوب من العبد أن يذكر الله باللسان ويكون حاضرا بقلبه . وروحه وجميع قواه بحيث يكون بالكلية متوجها إلى ربه ، فينتفى الخواطر وينقطع أحاديث النفس عنه . ثم ، إذا داوم عليه ، ينتقل الذكر من لسانه إلى قلبه ، ولا يزال يذكر بذلك حتى يتجلى له الحق من وراء أستار غيوبه ، فينور باطن العبد