الحقيقي ، ومع هذا ذم بعض الأفعال وحمد بعضها . وقيل معناه : ذم من الأعيان ما ذم ، وحمد ما حمد إذا أضيف إليها الفعل . والأول أنسب لما نفى الفعل عن العبيد . ( ولسان الذم على جهة الغرض مذموم عند الله . ) أي ، إذا ذم أحد شيئا لا يوافق غرضه وجعله مذموما ، فذلك الذم مذموم عند الله ، لأن صاحبه واقف عند غرضه وحظ نفسه ، بخلاف ما يذمه الشرع ، فإنه إخبار عما في نفس الأمر على ما هو عليه ، ولا غرض للشارع في ذلك . ( فلا مذموم إلا ما ذمه الشرع ، فإن ذم الشرع لحكمة يعلمها الله ، أو من أعلمه الله . ) وهذا تصريح منه على أن الحسن والقبح شرعي لا عقلي [11] ( كما شرع القصاص للمصلحة إبقاء لهذا النوع وإرداعا للمتعدي حدود الله فيه ) أي ، في هذا المعنى نزل : ( ( ولكم في القصاص حيوة يا أولى الألباب ) . و هم ) ، أي ، أولوا الألباب . ( أهل لب الشئ الذين عثروا ) أي ، اطلعوا . ( على أسرار النواميس الإلهية ) أي ، الشرائع الإلهية ( والحكمية . ) أي ، الأحكام التي يقتضيها العقل . أي ، أولو الألباب هم الذين عرفوا أسرار الوجود و حكم الأحكام الشرعية والعقلية كلها .
[11] - ولا يخفى على الفطن أن الشيخ نفى المسلك الأشعري في الحسن والقبح ، لعدم جواز الترجيح بلا مرجح ، إلا أنه ربما لا يصل العقل إلى ملاك الأحكام ، والشرع يكشف عنه لعلمه تعالى بلوازمهما . وليس مراد الشيخ أن الشرع يجعل بعض الأشياء حسنا وبعضها قبيحا من غير اقتضاء ذات الشئ حسنا أو قبيحا بحيث ينجر الأمر إلى الترجيح بلا مرجح . نعم ، القائل بالإرادة الجزافية وتخصيص الإرادة الإيجاد من دون غاية وغرض لا يستحيى عن نفى العلية والمعلولية وتحقق الشئ قبل بلوغه حد الإيجاب وامتناع العدم . و من العجب أن الشيخ المؤلف صرح بأن ذم الشرع أو مدحه لحكمة يعلمها الله . ومن الواضح جدا درك العقل الحسن والقبح في كثير من الأشياء ، كالوفاء بالعهد أو نقضه ، و حسن رد الأمانة إلى أهلها ، وقبح إتلاف المال ، وتقبيح العقلاء التجاوز إلى حقوق الناس مع عدم اعتقاد بعضهم بالشرائع الإلهية . ( ج )