بنفسه ويظهر لغيره . ووصفه ( رض ) إياها بالصفات الكمالية إشارة إلى أن الحياة العلمية أشرف من الحياة الحسية ، لأنها حياة الروح ، والحياة الحسية حياة الجسد ، و الروح أشرف من الجسد ، فحياته أيضا كذلك . لكن الحسية أوقع في النفوس من العلمية ، لأنها مترتبة على القدرة التامة التي هي أيضا من الخصائص الإلهية ، لذلك صار أعز وجودا وأعظم وقعا . ولما كان للعلم مراتب ، وأعظمها العلم بالله وأسمائه وصفاته ، خصه بالذكر ، وإن كان بحسب كل منها يحصل حياة مناسبة لها . وقد أعطى الله أولياءه الكمل نصيبا تاما من الحياة العلمية ، ليفيضوا على نفوس المستعدين المؤمنين بهم منها ، فيحيونهم بالنور الإلهي ويمشون به في الناس . كما قال : ( أو من كان ميتا ) أي ، بموت الجهل . ( فأحييناه ) أي ، بالحياة العلمية [32] ( وجعلنا له نورا ) و هو العلم . ( يمشى به في الناس ) فيدرك ما في بواطنهم من استعداداتهم وخواطرهم ونياتهم ، وما في ظواهرهم من أعمالهم المخفية من الناس بذلك النور . وقوله : ( أي بين أشكاله في الصورة ) المراد بالشكل ماله التشكل ، وهو البدن . أي ، ذلك النور يسرى بين أبدان الناس ، فيدرك ما فيها من النفوس ولوازمها و استعداداتها التي لا يطلع عليها إلا من شاء الله من الكمل . ويجوز أن يكون المراد منها الهيئات والأوضاع التي للبدن الظاهرة في الصورة الإنسانية ، إذا المتفرسون يدركون منها ما في نفوسها وقواها وما هي عليها من الأعمال والأفعال . ولما ذكر إن الإحياء الحسى والمعنوي إما من الله بواسطة الصورة الإنسانية و إما من العبد بإذن الله وأمره ، أعقب بقوله شعر : ( فلولاه ولو لأنا * لما كان الذي كانا )
[32] - وقيل في هذا المقام : ( أقدم أستاذي على الوالدين وإن تضاعف لي من والدي البر واللطف . فهذا مربى الروح والروح جوهر وذلك مربى الجسم وهو له صدف ) ( ج )