في الأمر ولا يدرى . ) [29] كالعارف الذي لا يميز بين المراتب ويعلم حقيقة القولين ، فيحار في النسبة ، لأنه يعلم أن الإحياء من خصائص الله [30] ويشاهد [31] صدوره من العبد وهو مؤمن به ، فلا يقدر أن ينسبه إلى الله تعالى ولا إلى العبد ، إذ لا ذوق للحائر منه . ( وهذه مسألة لا يمكن أن تعرف إلا ذوقا . كأبي يزيد حين نفخ في النملة التي قتلها ، فحييت ، فعلم عند ذلك بمن ينفخ ، فنفخ فكان عيسوي المشهد . ) إنما كانت المسألة لا تعرف إلا بالذوق ، لأن المدرك لا يدرك شيئا كان ما كان إلا بما منه فيه . ومن لا يكون عنده من قوة الإحياء والخلق ، لا يقدر على إدراكه ذوقا . فإن التعريفات لا تنتج إلا بالتصور وهو غير كاف في إدراك الحقائق ووجدانها ، خصوصا في الكيفيا ، لأنها لا تحصل إلا بالذوق والوجدان . كما لا يمكن معرفة لذة الوقاع إلا بالذوق . وإذا حصل إدراكه ذوقا لأحد ، يعلم ذوقا من النافخ : عينه أو ربه . وفي قوله : ( فكان عيسوي المشهد ) إشارة إلى أن كل من حصل له هذا المقام من الأولياء ، يكون ذلك بواسطة روحانية عيسى ، عليه السلام . ( وأما الإحياء المعنوي بالعلم ، فتلك الحياة الإلهية الذاتية العلية النورية التي قال الله فيها : ( أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به في الناس ) . فكل من يحيى نفسا ميتة بحياة علمية في مسألة خاصة متعلقه بالعلم بالله ، فقد أحياه بها ، وكانت له نورا يمشى به في الناس ، أي ، بين أشكاله في الصورة . ) إنما جعل الحياة الحاصلة بالعلم حياة إلهية ذاتية ، لأن حقيقة العلم عين الذات ، وكذلك حقيقة الحياة أيضا . فالعلم والحياة في المرتبة الأحدية شئ واحد . ولما كان العلم أشرف الصفات الإلهية - إذ به تظهر الحقائق الإلهية والكونية - وصفه بالعلو . ومن حيث إنه يظهر الأشياء ، وصفه بالنورية ، إذ النور هو ما يظهر
[29] - ولذا قال صدر المتألهين : إن الناس في مسألة ( العلة والمعلول ) ، بين حيارى وجهال . ( ج ) [30] - أي ، يعلم من كتاب الله . ( ج ) [31] - أي ، يرى بالعين والحس . ( ج )