( فكانت صورة إلقاء موسى في التابوت ، وإلقاء التابوت في اليم ، صورة هلاك في الظاهر ، وفي الباطن كانت نجاة له من القتل . ) إذ كان خلاصه من فرعون بذلك . ( فحيى ) موسى بالإلقاء في اليم ، ( كما تحيى النفوس بالعلم من موت الجهل . ) إنما شبه الحياة الحسية الموسوية الباقية بواسطة اليم بالحياة العقلية الحاصلة بالعلم تنبيها على أن الماء صورة العلم الذي به حياة النفوس ، كما أن حياة الأبدان بالماء الذي منه كل شئ حي . ثم ، استشهد بالآية وفسرها بمقتضى الباطن بقوله : ( كما قال تعالى : ( أو من كان ميتا ) . يعنى بالجهل . ( فأحييناه ) يعنى ، بالعلم . ( وجعلنا له نورا يمشى به في الناس ) وهو الهدى . ( كمن مثله في الظلمات ) وهي الضلال . ( ليس بخارج منها ) أي ، لا يهتدى أبدا . ) أي ، العالم بالحقائق لا يكون كالجاهل بها . ثم ، علل قوله : ( لا يهتدى أبدا ) بقوله : ( فإن الأمر في نفسه لا غاية له يوقف عندها . ) [9] أي ، فإن الأمر الإلهي لا نهاية له ليقف عنده . أي ، الذي في الظلمات لا يخلص من الضلال ولا يهتدى أبدا . أي ، الضال الحائر من الجهالة لا يحصل له العلم بالحقيقة . ولما فسر ( الضلال ) في مواضع من قبل ب ( الحيرة ) - والحيرة قد تحصل من العلم ، كما يحصل من الجهل ، فيقع الضلال أيضا للعالم ، كما يقع للجاهل - أراد أن يفرق بينهما فقال : ( فالهدى هو أن يهتدى الإنسان إلى الحيرة ، فيعلم أن الأمر حيرة ) وإنما جعل الاهتداء إلى الحيرة عين الهداية ، لأن الحيرة الحاصلة من الهداية
[9] - نسخة م ل وق س ، وغيرهما من النسخ المعتبرة عندي ، مطابق لما هو مذكور بعد قول الشيخ الأكبر : ( لا غاية له يوقف عندها ) وأما نسخة ط گ ( طبعة الحجرية ) مخالف لما هو المذكور في الكتاب كما تراه ، لأنه ذكر بعد قول الماتن العظيم : ( أي ، الذي في الظلمات لا يخلص من الضلال ولا يهتدى أبدا ، لأن الأمر الإلهي لا نهاية له ليقف عنده الضال الحائر من الجهالة ) .