والعلم إنما يحصل من شهود وجود التجليات المتكثرة المحيرة للعقول والأوهام و ظهور الأنوار الحقيقة العاجزة عن إدراكها البصائر والأفهام ، وذلك عين الهداية . لذلك قال أكمل البشر ( رب زدني فيك تحيرا ) . أي هداية وعلما . فإن وجود اللازم يستلزم وجود الملزوم . بخلاف الحيرة الحاصلة من الجهل ، فإنها الحيرة المذمومة . لذلك جعل الضلال الموجب للحيرة المذمومة في مقابلة الهدى الموجبة للحيرة المحمودة ( والحيرة قلق وحركة ) أي ، تعطى القلق والاضطراب ( والحركة حياة ) . أي ، يستلزم الحياة . لأن الحركة لا تحصل إلا من الحي . ( فلا سكون ، فلا موت ، ) أي ، فإذا كانت الحركة حاصلة دائما ، فلا سكون لمن يتحرك ، وإذا لم يكن له السكون ، فلا موت له ، لأن السكون من لوازم الموت . ألا ترى أن سكون النبض كيف يصير علامة للموت . ( ووجود ، فلا عدم ) عطف على قوله : ( حياة ) . أي ، الحركة حياة و وجود . وإذا كانت الحركة مستلزمة للوجود ، فلا عدم ، لأنهما لا يجتمعان في محل واحد . والحاصل أن الهداية تعطى البقاء الأبدي . ( وكذلك في الماء الذي به حياة الأرض ) أي ، كما أن الحياة العلمية تعطى الهداية والسير في الناس [10] فتؤدى إلى البقاء الأبدي [11] ، كذلك الأمر في الماء الطبيعي الذي به حياة الأرض ، وهي البدن ( وحركتها قوله : ( واهتزت ) ) أي ،
[10] - قوله : ( والسير في الناس ) إشارة إلى قوله تعالى : ( وجعلنا له نورا يمشى به في الناس ) . و نظرا إلى الآية المباركة يندفع استبعاد بعض المحشين . ( ج ) [11] - وليعلم أن الأمر الوجودي لا نهاية له ، فإنه حقيقة واحدة ذات كمالات وصفات وأسماء فوق التناهي بما لا يتناهى . فإذا جهل الضال الحائر في أمر الوجود ولم يعلم وحدته ، و زعم الأرض مثلا ، التي هي تجل من تجلياته ، أنها وجود مبائن له ، فهو إذا جاهل بحقيقة ظهور من ظهوراته . ولما كان ( كل يوم هو في شأن ) فالجاهل الحائر كل يوم هو في شأن من الجهل قد ولما كان شؤون الوجود إلى غير النهاية ، كان شؤون الجهل للجاهل إلى غير النهاية . ومن هنا ظهر وجه الحيرة للعالم . فاقرأ وارقأ . ( ج )