لأن المعاني من حيث تجردها عن المواد ، منزهة عنها وعن الصور التابعة لها . ومن حيث إنها موجودة مصورة في الذهن ، مشبهة بها . ( ولذلك كانت الأوهام أقوى سلطانا في هذه النشأة من العقول ، لأن العاقل ولو بلغ ما بلغ في عقله ، لم يخل عن حكم الوهم عليه والقصور فيما عقل . ) أي ، ولأجل أن الوهم حاكم على المدركات العقلية ، بالتنزيه والتشبيه ، كانت الأوهام أقوى سلطانا في هذه النشأة العنصرية من العقول ، لأن العاقل ولو بلغ في عقله كما لا ينتهى العقول إليه ، لا يخلص عن أحكام الوهم عليه ، ولا مدركاته العقلية يتجرد عن الصور الوهمية . ( فالوهم هو السلطان الأعظم في هذه الصورة الكاملة الإنسانية ، وبه جاءت الشرائع المنزلة فشبهت ونزهت ، شبهت ) أي ، الشرائع . ( في التنزيه ) أي مقام التنزيه ( بالوهم ) أي ، بلسان الوهم . إذ الوهم لا يعطى إلا إدراك المعاني الجزئية في الصور الحسية ، فهو يتصور موجودا ما في الخارج ، مشخصا مفارقا عن غيره ، منزها عن كونه جسما أو جسمانيا أو زمانيا أو مكانيا . وذلك عين التشبيه . ( ونزهت في التشبيه بالعقل ) أي ، نزهت الشرائع في مقام التشبيه بلسان العقل ، إذ العقل يجرد المعاني الكلية عن الغواشي الحسية التي يثبتها الوهم . ( فارتبط الكل بالكل . ) أي ، التشبيه والتنزيه . ( فلا يمكن أن يخلو تنزيه عن تشبيه ، ولا تشبيه عن تنزيه . ) وذلك لأن كلما نزهته [5] عنه من النقائص ، فهو ثابت له عند ظهوره في المراتب الكونية و هو التشبيه . وكلما شبهته ( 5 ) وأثبت له من الكمالات ، فهو منفى عنه في مرتبة أحديته ( 6 ) وهو التنزيه .
[5] - أي ، الشرائع الإلهية . ( ج ) ( 6 ) - وليعلم أن في المرتبة ( الأحدية الذاتية ) و ( الغيب المغيب ) و ( العنقاء المغرب ) لا تنزيه ولا تشبيه ، لأنهما يرجعان إلى ما تعين الوجود بعد المرتبة التي لا تعين لها . فالتنزيه يرجع إلى التعين الأول والوجود المنزه عن التجسم والتقدر والحد العدمي . والتشبيه يرجع أول ما يرجع إلى تجلى الحق في صور أسمائه وتعينات أسمائه ، أي ، الأعيان الثابتة والحقائق الإمكانية ، لأن حقيقة كل شئ ترجع إلى كيفية تعينه في علم الحق . وفي هذه المرتبة أحكام التنزيه ظاهر ، وحكم التشبيه في خفاء لا يعرفها إلا هو . وإلى التعين الأول أشار المولى الجامي بقوله : ( وجودى عارى از قيد مظاهر به نور خويشتن در خويش ظاهر ) . وبعض من لا خبرة له زعم أن الجامي يشير إلى المرتبة الغيبية و ( الأحدية الذاتية ) . ( ج )