( من غير فحل ولا تذكير ، كما ولدت مريم عيسى من غير فحل ولا ذكر ولا جماع عرفي معتاد ، لو قال ) أي ، حتى لو قال . ( نبي : آيتي ومعجزتي أن ينطق هذا الحائط . فنطق الحائط ، وقال في نطقه : تكذيب قد ما أنت رسول الله ، لصحت الآية و ثبت بها أنه رسول الله . ولم يلتفت إلى ما نطق به الحائط . فلما دخل هذا الاحتمال في كلام عيسى بإشارة أمه إليه وهو في المهد ، كان سلام الله على يحيى أرفع من هذا الوجه . ) أي ، لما دخل احتمال عدم الصدق في قول عيسى ، عليه السلام ، عند الجاهل بالحقائق والأسرار الإلهية ، حين تكلم بإشارة أمه إليه في براءة ذمتها عما نسبوها إليه ، كان سلام الله على يحيى أرفع من سلام عيسى على نفسه من هذا الوجه . ( فموضع الدلالة أنه عبد الله ، من أجل ما قيل فيه إنه ابن الله . وفرغت الدلالة بمجرد النطق . وأنه عبد الله عند الطائفة الأخرى القائلة بالنبوة ، وبقى ما زاد في حكم الاحتمال في النظر العقلي حتى ظهر في المستقبل صدقه في جميع ما أخبر به في المهد . فتحقق ما أشرنا إليه . ) أي ، متعلق الدلالة في قوله : ( إني عبد الله ) . أنه عبد الله لينفى ما يقال فيه : إنه ( ابن الله ) . كأن روحه استشعر بأن أكثر أمته يذهبون إلى أنه ابن الله ، فبدأ بقوله : ( إني عبد الله ) . نفيا لما عندهم . وذلك لأن الأرواح الكاملة قد يكون بحيث لا يخفى عليها جميع ما يجرى في هذا العالم قبل ظهورها فيه ، لما يشاهد إياه في ألواح كتب السماوات وأرواحها عند المرور عليها . ويكون ما يشاهد مستصحبا معه باقيا في حفظه ، كما سئل بعضهم : أتذكر عهد ( أ لست بربكم ) ؟ قال : كأنه الآن في أذني . وقال آخر : كأنه كان أمس . فقال بعضهم : أذكر ست مواطن آخر للعهد . ( وفرغت الدلالة بمجرد النطق . ) أي ، تمت الدلالة على أنه عبد الله عند الطائفة الأخرى من أمته القائلة بنبوته . وإن لم يقل إني عبد الله ، فإنه بمجرد إتيانه بالنطق حصلت الدلالة على كونه عبد الله ونبيا من أنبيائه ، صادقا فيما قال : ( إني عبد الله آتاني الكتاب والحكم والنبوة ) . وقوله : ( وبقى ما زاد في حكم الاحتمال ) أي ، عند الجاهلين بحسب نظر