الثَّانِي : وَهُوَ بِعُرْفِ الْمَنْصِبِ أَشْبَهُ أَنْ يَقُولَ : قَدْ اسْتَوْزَرْتُكَ تَعْوِيلًا عَلَى نِيَابَتِكَ فَتَنْعَقِدُ بِهِ هَذِهِ الْوَزَارَةُ لِأَنَّهُ قَدْ جَمَعَ بَيْنَ عُمُومِ النَّظَرِ فِيمَا إلَيْهِ بِقَوْلِهِ اسْتَوْزَرْتُكَ ، لِأَنَّ نَظَرَ الْوَزَارَةِ عَامٌّ وَبَيْنَ النِّيَابَةِ بِقَوْلِهِ تَعْوِيلًا عَلَى نِيَابَتِكَ فَخَرَجَتْ عَنْ وَزَارَةِ التَّنْفِيذِ إلَى وَزَارَةِ التَّفْوِيضِ .وَلَوْ قَالَ قَدْ فَوَّضْتُ إلَيْكَ وَزَارَتِي احْتَمَلَ أَنْ تَنْعَقِدَ بِهِ هَذِهِ الْوَزَارَةُ ، لِأَنَّ ذِكْرَ التَّفْوِيضِ فِيهَا يُخْرِجُهَا عَنْ وَزَارَةِ التَّنْفِيذِ إلَى وَزَارَةِ التَّفْوِيضِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَنْعَقِدَ لِأَنَّ التَّفْوِيضَ مِنْ أَحْكَامِ هَذِهِ الْوَزَارَةِ فَافْتَقَرَ إلَى عَقْدٍ يَتَقَدَّمُهُ ، وَالْأَوَّلُ مِنْ الِاحْتِمَالَيْنِ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ ، فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ قَدْ فَوَّضْنَا إلَيْكَ الْوَزَارَةَ صَحَّ لِأَنَّ وُلَاةَ الْأُمُورِ يُكَنُّونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَيُعَظِّمُونَ عَنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَيْهِمْ فَيُرْسِلُونَهُ فَيَقُومُ قَوْلُهُ قَدْ فَوَّضْنَا إلَيْكَ مَقَامَ قَوْلِهِ فَوَّضْتُ إلَيْكَ ، وَقَوْلُهُ الْوَزَارَةُ مَقَامَ قَوْلِهِ وَزَارَتِي وَهَذَا أَفْخَمُ قَوْلٍ عُقِدَتْ بِهِ وَزَارَةُ التَّفْوِيضِ وَأَوْجَزُهُ ، وَلَوْ كَنَّى غَيْرُ الْمُلُوكِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِالْجَمْعِ وَتَرَكَ الْإِضَافَةَ لَمَا تَعَلَّقَ بِهِ حُكْمُ التَّفَرُّدِ وَالْإِضَافَةِ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْعُرْفِ الْمَعْهُودِ ، فَأَمَّا إذَا قَالَ قَدْ قَلَّدْتُكَ وَزَارَتِي أَوْ قَدْ قَلَّدْنَاكَ الْوَزَارَةَ لَمْ يَصِرْ بِهَذَا الْقَوْلِ مِنْ وُزَرَاءِ التَّفْوِيضِ حَتَّى يُبَيِّنَهُ بِمَا يَسْتَحِقُّ بِهِ التَّفْوِيضَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ حِكَايَةً عَنْ نَبِيِّهِ مُوسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : * ( وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اُشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) * .فَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى مُجَرَّدِ الْوَزَارَةِ حَتَّى قَرَنَهَا بِشَدِّ أَزْرِهِ وَإِشْرَاكِهِ فِي أَمْرِهِ لِأَنَّ اسْمَ الْوَزَارَةِ مُخْتَلَفٌ فِي اشْتِقَاقِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْوِزْرِ وَهُوَ الثِّقَلُ لِأَنَّهُ يَحْمِلُ عَنْ الْمَلِكِ أَثْقَالَهُ .الثَّانِي :أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْوَزَرِ وَهُوَ الْمَلْجَأُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى * ( كَلًّا لَا وَزَرَ ) * أَيْ لَا مَلْجَأَ فَسُمِّيَ بِذَلِكَ ، لِأَنَّ الْمَلِكَ يُلْجَأُ إلَى رَأْيِهِ وَمَعُونَتِهِ .وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْأَزْرِ وَهُوَ الظَّهْرُ ، لِأَنَّ الْمَلِكَ يَقْوَى بِوَزِيرِهِ كَقُوَّةِ الْبَدَنِ بِالظَّهْرِ وَلِأَيِّ هَذِهِ الْمَعَانِي كَانَ مُشْتَقًّا فَلَيْسَ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا مَا يُوجِبُ الِاسْتِبْدَادَ بِالْأُمُورِ . ( فَصْلٌ ) وَإِذَا تَقَرَّرَ مَا تَنْعَقِدُ بِهِ وَزَارَةُ التَّفْوِيضِ فَالنَّظَرُ فِيهَا - وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعُمُومِ - مُعْتَبَرٌ بِشَرْطَيْنِ يَقَعُ الْفَرْقُ بِهِمَا بَيْنَ الْإِمَامَةِ وَالْوَزَارَةِ : أَحَدُهُمَا يَخْتَصُّ بِالْوَزِيرِ وَهُوَ مُطَالَعَةُ الْإِمَامِ لِمَا أَمْضَاهُ مِنْ تَدْبِيرٍ وَأَنْفَذَهُ مِنْ وِلَايَةٍ وَتَقْلِيدٍ لِئَلَّا يَصِيرَ بِالِاسْتِبْدَادِ كَالْإِمَامِ .وَالثَّانِي : مُخْتَصٌّ بِالْإِمَامِ وَهُوَ أَنْ يَتَصَفَّحَ أَفْعَالَ الْوَزِيرِ وَتَدْبِيرَهُ الْأُمُورَ لِيُقِرَّ مِنْهَا مَا وَافَقَ الصَّوَابَ وَيَسْتَدْرِكَ مَا خَالَفَهُ لِأَنَّ تَدْبِيرَ الْأُمَّةِ إلَيْهِ مَوْكُولٌ وَعَلَى اجْتِهَادِهِ مَحْمُولٌ .وَيَجُوزُ لِهَذَا الْوَزِيرِ أَنْ يَحْكُمَ بِنَفْسِهِ وَأَنْ يُقَلِّدَ الْحُكَّامَ كَمَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ لِأَنَّ شُرُوطَ الْحُكْمِ فِيهِ مُعْتَبَرَةٌ وَيَجُوزُ