أَنْ يَنْظُرَ فِي الْمَظَالِمِ وَيَسْتَنِيبَ فِيهَا لِأَنَّ شُرُوطَ الْمَظَالِمِ فِيهِ مُعْتَبَرَةٌ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى الْجِهَادَ بِنَفْسِهِ ، وَأَنْ يُقَلِّدَ مَنْ يَتَوَلَّاهُ لِأَنَّ شُرُوطَ الْحَرْبِ فِيهِ مُعْتَبَرَةٌ وَيَجُوزُ أَنْ يُبَاشِرَ تَنْفِيذَ الْأُمُورِ الَّتِي دَبَّرَهَا ، وَأَنْ يَسْتَنِيبَ فِي تَنْفِيذِهَا لِأَنَّ شُرُوطَ الرَّأْيِ وَالتَّدْبِيرِ فِيهِ مُعْتَبَرَةٌ .وَكُلُّ مَا صَحَّ مِنْ الْإِمَامِ صَحَّ مِنْ الْوَزِيرِ إلَّا ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ .أَحَدُهَا : وِلَايَةُ الْعَهْدِ ، فَإِنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَعْهَدَ إلَى مَنْ يَرَى وَلَيْسَ ذَلِكَ لِلْوَزِيرِ .الثَّانِي : أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَعْفِيَ الْأُمَّةَ مِنْ الْإِمَامَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِلْوَزِيرِ .وَالثَّالِثُ : أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَعْزِلَ مَنْ قَلَّدَهُ الْوَزِيرُ وَلَيْسَ لِلْوَزِيرِ أَنْ يَعْزِلَ مَنْ قَلَّدَهُ الْإِمَامُ ، وَمَا سِوَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَحُكْمُ التَّفْوِيضِ إلَيْهِ يَقْتَضِي جَوَازَ فِعْلِهِ وَصِحَّةِ نُفُوذِهِ مِنْهُ ، فَإِنْ عَارَضَهُ الْإِمَامُ فِي رَدِّ مَا أَمْضَاهُ ، فَإِنْ كَانَ فِي حُكْمٍ نَفَذَ عَلَى وَجْهٍ أَوْ فِي مَالٍ وُضِعَ فِي حَقِّهِ لَمْ يَجُزْ نَقْضُ مَا نَفَذَ بِاجْتِهَادِهِ مِنْ حُكْمٍ وَلَا اسْتِرْجَاعُ مَا فَرَّقَ بِرَأْيِهِ مِنْ مَالٍ ، فَإِنْ كَانَ فِي تَقْلِيدِ وَالٍ أَوْ تَجْهِيزِ جَيْشٍ وَتَدْبِيرِ حَرْبٍ جَازَ لِلْإِمَامِ مُعَارَضَتُهُ بِعَزْلِ الْمُوَلَّى وَالْعُدُولِ بِالْجَيْشِ إلَى حَيْثُ يَرَى ، وَتَدْبِيرُ الْحَرْبِ بِمَا هُوَ أَوْلَى لِأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَدْرِكَ ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالِ نَفْسِهِ فَكَانَ أَوْلَى أَنْ يَسْتَدْرِكَهُ مِنْ أَفْعَالِ وَزِيرِهِ .فَلَوْ قَلَّدَ الْإِمَامُ وَالِيًا عَلَى عَمَلٍ وَقَلَّدَ الْوَزِيرُ غَيْرَهُ عَلَى ذَلِكَ الْعَمَلِ نُظِرَ فِي أَسْبَقِهِمَا بِالتَّقْلِيدِ فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ أَسْبَقَ تَقْلِيدًا فَتَقْلِيدُهُ أَثْبَتُ وَلَا وِلَايَةَ لِمَنْ قَلَّدَهُ الْوَزِيرُ ، وَإِنْ كَانَ تَقْلِيدُ الْوَزِيرِ أَسْبَقَ فَإِنْ عَلِمَ الْإِمَامُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَقْلِيدِ الْوَزِيرِ كَانَ فِي تَقْلِيدِهِ الْإِمَامَ لِغَيْرِهِ عَزْلُ الْأَوَّلِ وَاسْتِئْنَافُ تَقْلِيدِ الثَّانِي فَصَحَّ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْإِمَامُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَقْلِيدِ الْوَزِيرِ فَتَقْلِيدُ الْوَزِيرِ أَثْبَتُ وَتَصِحُّ وِلَايَةُ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي ، لِأَنَّ تَقْلِيدَ الثَّانِي مَعَ الْجَهْلِ بِتَقْلِيدِ الْأَوَّلِ لَا يَكُونُ عَزْلًا لَوْ عَلِمَ بِتَقْلِيدِهِ .وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لَا يَنْعَزِلُ الْأَوَّلُ مَعَ عِلْمِ الْإِمَامِ بِحَالِهِ إذَا قَلَّدَ غَيْرَهُ حَتَّى يَعْزِلَهُ قَوْلًا فَيَصِيرُ بِالْقَوْلِ مَعْزُولًا لَا بِتَقْلِيدِ غَيْرِهِ ، فَعَلَى هَذَا إنْ كَانَ النَّظَرُ مِمَّا يَصِحُّ فِيهِ الِاشْتِرَاكُ صَحَّ تَقْلِيدُهُمَا فَكَانَا مُشْتَرِكَيْنِ فِي النَّظَرِ ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَصِحُّ فِيهِ الِاشْتِرَاكُ كَانَ تَقْلِيدُهُمَا مَوْقُوفًا عَلَى عَزْلِ أَحَدِهِمَا وَإِقْرَارِ الْآخَرِ ؛ فَإِنْ تَوَلَّى ذَلِكَ الْإِمَامُ جَازَ أَنْ يَعْزِلَ أَيَّهُمَا شَاءَ وَيُقِرَّ الْآخَرَ ، وَإِنْ تَوَلَّاهُ الْوَزِيرُ جَازَ أَنْ يَعْزِلَ مَنْ اخْتَصَّ بِتَقْلِيدِهِ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْزِلَ مَنْ قَلَّدَهُ الْإِمَامُ . ( فَصْلٌ ) وَأَمَّا وَزَارَةُ التَّنْفِيذِ فَحُكْمُهَا أَضْعَفُ وَشُرُوطُهَا أَقَلُّ ، لِأَنَّ النَّظَرَ فِيهَا مَقْصُورٌ عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَتَدْبِيرِهِ ، وَهَذَا الْوَزِيرُ وَسَطٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّعَايَا وَالْوُلَاةِ يُؤَدِّي عَنْهُ مَا أَمَرَ وَيَنْفُذُ عَنْهُ مَا ذَكَرَ وَيُمْضِي مَا حَكَمَ وَيُخْبِرُ بِتَقْلِيدِ الْوُلَاةِ وَتَجْهِيزِ الْجُيُوشِ وَيَعْرِضُ عَلَيْهِ مَا وَرَدَ