الْقَبْضَ حَاكَمَ الْعَامِلَ فِيهِ وَأَخَذَ الْعَامِلُ بِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ ، فَإِنْ عَدِمَهَا أُحْلِفَ صَاحِبُ التَّوْقِيعِ ، وَأَخَذَ الْعَامِلُ بِالْغُرْمِ ، وَهَذَا الْوَجْهُ أَخَصُّ بِعُرْفِ الدِّيوَانِ .وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِتَحْقِيقِ الْفِقْهِ ، فَإِنْ اسْتَرَابَ صَاحِبُ الدِّيوَانِ بِالتَّوْقِيعِ لَمْ يُحْتَسَبْ لِلْعَامِلِ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ مَعًا حَتَّى يُعْرِضَهُ عَلَى الْمُوَقِّعِ ، فَإِنْ اعْتَرَفَ بِهِ صَحَّ ، وَكَانَ الِاحْتِسَابُ بِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ، وَإِنْ أَنْكَرَهُ لَمْ يُحْتَسَبْ بِهِ لِلْعَامِلِ وَنُظِرَ فِي وَجْهِ الْخَرَاجِ ، فَإِنْ كَانَ فِي خَاصٍّ مَوْجُودٍ رَجَعَ بِهِ الْعَامِلُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ فِي جِهَاتٍ لَا يُمْكِنُ الرُّجُوعُ بِهَا سَأَلَ الْعَامِلُ إحْلَافَ الْمُوَقِّعِ عَلَى إنْكَارِهِ ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ صِحَّةُ الْخَرَاجِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُوَقِّعِ إحْلَافُ الْعَامِلِ لَا فِي عُرْفِ السَّلْطَنَةِ وَلَا فِي حُكْمِ الْقَضَاءِ ، فَإِنْ عُلِمَ بِصِحَّةِ الْخَرَاجِ فَهُوَ مِنْ عُرْفِ السَّلْطَنَةِ مَدْفُوعٌ عَنْ إحْلَافِ الْمُوَقِّعِ ، وَفِي حُكْمِ الْقَضَاءِ يُجَابُ عَلَيْهِ .وَأَمَّا الثَّالِثُ : فَهُوَ إثْبَاتُ الرَّفْعِ ، فَيَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ : رَفْعُ مِسَاحَةٍ وَعَمَلٍ ، وَرَفْعُ قَبْضٍ وَاسْتِيفَاءٍ ، وَرَفْعُ خَرْجٍ وَنَفَقَةٍ .فَأَمَّا رَفْعُ الْمِسَاحَةِ وَالْعَمَلِ ، فَإِنْ كَانَتْ أُصُولُهَا مُقَدَّرَةً فِي الدِّيوَانِ اُعْتُبِرَ صِحَّةُ الرَّفْعِ بِمُقَابَلَةِ الْأَصْلِ وَأُثْبِتَ فِي الدِّيوَانِ إنْ وَافَقَهَا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا فِي الدِّيوَانِ أُصُولٌ عُمِلَ فِي إثْبَاتِهَا عَلَى قَوْلِ رَافِعِهَا .وَأَمَّا رَفْعُ الْقَبْضِ وَالِاسْتِيفَاءِ فَيُعْمَلُ فِي إثْبَاتِهَا عَلَى مُجَرَّدِ قَوْلِ رَافِعِهَا لِأَنَّهُ يُقِرُّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ لَا لَهَا .وَأَمَّا رَفْعُ الْخَرَاجِ وَالنَّفَقَةِ فَرَافِعُهَا مُدَّعٍ لَهَا فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ إلَّا بِالْحُجَجِ الْبَالِغَةِ ، فَإِنْ احْتَجَّ بِتَوْقِيعَاتِ وُلَاةِ الْأُمُورِ اسْتَعْرَضَهَا وَكَانَ الْحُكْمُ فِيهَا عَلَى مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَحْكَامِ التَّوْقِيعَاتِ .وَأَمَّا الرَّابِعُ : وَهُوَ مُحَاسَبَةُ الْعُمَّالِ فَيَخْتَلِفُ حُكْمُهَا بِاخْتِلَافِ مَا تَقَلَّدُوهُ ، وَقَدْ قَدَّمْنَا الْقَوْلَ فِيهَا ، فَإِنْ كَانُوا مِنْ عُمَّالِ الْخَرَاجِ لَزِمَهُمْ رَفْعُ الْحِسَابِ وَوَجَبَ عَلَى كَاتِبِ الدِّيوَانِ مُحَاسَبَتُهُمْ عَلَى صِحَّةِ مَا رَفَعُوهُ ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ عُمَّالِ الْعُشْرِ لَمْ يَلْزَمْهُمْ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَفْعُ الْحِسَابِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَى كَاتِبِ الدِّيوَانِ مُحَاسَبَتُهُمْ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْعُشْرَ عِنْدَهُ صَدَقَةٌ لَا يَقِفُ مَصْرِفُهَا عَلَى اجْتِهَادِ الْوُلَاةِ ، وَلَوْ تَفَرَّدَ أَهْلُهَا أَجْزَأَتْ وَيَلْزَمُهُمْ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ رَفْعُ الْحِسَابِ وَيَجِبُ عَلَى كَاتِبِ الدِّيوَانِ مُحَاسَبَتُهُمْ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ مَصْرِفَ الْخَرَاجِ وَالْعُشْرِ عِنْدَهُ مُشْتَرَكٌ .وَإِذَا حُوسِبَ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ مُحَاسَبَتُهُ مِنْ الْعُمَّالِ نُظِرَ ، فَإِنْ لَمْ يَقَعْ بَيْنَ الْعَامِلِ وَكَاتِبِ الدِّيوَانِ حَلِفٌ كَانَ كَاتِبُ الدِّيوَانِ مُصَدَّقًا فِي بَقَايَا الْحِسَابِ ، فَإِنْ اسْتَرَابَ بِهِ وَلِيُّ الْأَمْرِ كَلَّفَهُ إحْضَارَ شَوَاهِدِهِ ، فَإِنْ زَالَتْ الرِّيبَةُ عَنْهُ سَقَطَتْ الْيَمِينُ فِيهِ ، وَإِنْ لَمْ تَزُلْ الرِّيبَةُ وَأَرَادَ وَلِيُّ الْأَمْرِ الْإِحْلَافَ عَلَى ذَلِكَ أُحْلِفَ الْعَامِلُ دُونَ كَاتِبِ الدِّيوَانِ ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ مُتَوَجِّهَةٌ عَلَى الْعَامِلِ دُونَ الْكَاتِبِ ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْحِسَابِ نُظِرَ