مَا وَجَدَ مِنْ سَمَاعِهِ بِالْخَطِّ الَّذِي يَثِقُ بِهِ وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِكَاتِبِ الدِّيوَانِ أَنْ يَعْمَلَ عَلَى الْخَطِّ وَحْدَهُ حَتَّى يَأْخُذَهُ سَمَاعًا مِنْ لَفْظِ نَفْسِهِ يَحْفَظُهُ عَنْهُ بِقَلْبِهِ كَمَا يَقُولُ فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ اعْتِبَارًا بِالْقَضَاءِ وَالشَّهَادَاتِ وَهَذَا شَاقٌّ مُسْتَبْعَدٌ .وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْقَضَاءَ وَالشَّهَادَاتِ مِنْ الْحُقُوقِ الْخَاصَّةِ الَّتِي يَكْثُرُ الْمُبَاشِرُ لَهَا ، وَالْقُيَّمُ بِهَا فَلَمْ يَضِقْ الْحِفْظُ لَهَا بِالْقَلْبِ فَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُعَوَّلَ فِيهَا عَلَى مُجَرَّدِ الْخَطِّ ، وَأَنَّ الْقَوَانِينَ الدِّيوَانِيَّةَ مِنْ الْحُقُوق الْعَامَّةِ الَّتِي يَقِلُّ الْمُبَاشِرُ لَهَا مَعَ كَثْرَتِهَا وَانْتِشَارِهَا فَضَاقَ حِفْظُهَا بِالْقَلْبِ فَلِذَلِكَ جَازَ التَّعْوِيلُ فِيهَا عَلَى مُجَرَّدِ الْخَطِّ وَكَذَلِكَ رِوَايَةِ الْحَدِيث .وَأَمَّا الثَّانِي : وَهُوَ اسْتِيفَاءُ الْحُقُوقِ فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا اسْتِيفَاؤُهَا مِمَّنْ وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَامِلِينَ .وَالثَّانِي اسْتِيفَاؤُهَا مِنْ الْقَابِضِينَ لَهَا مِنْ الْعُمَّالِ ، فَأَمَّا اسْتِيفَاؤُهَا مِنْ الْعَامِلِينَ فَيُعْمَلُ فِيهِ عَلَى إقْرَارِ الْعُمَّالِ بِقَبْضِهَا ، وَأَمَّا الْعَمَلُ فِيهَا عَلَى خُطُوطِ الْعُمَّالِ بِقَبْضِهَا فَاَلَّذِي عَلَيْهِ كُتَّابُ الدَّوَاوِينِ أَنَّهُ إذَا عُرِفَ الْخَطُّ كَانَ حُجَّةً لِقَبْضٍ سَوَاءٌ اعْتَرَفَ الْعَامِلُ بِأَنَّهُ خَطُّهُ أَوْ أَنْكَرَهُ إذَا قِيسَ بِخَطِّهِ الْمَعْرُوفِ .وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَعْتَرِفْ الْعَامِلُ بِأَنَّهُ خَطُّهُ وَأَنْكَرَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ ، وَلَمْ يَكُنْ حُجَّةً فِي الْقَبْضِ وَلَا يَسُوغُ أَنْ يُقَاسَ بِخَطِّهِ فِي الْإِلْزَامِ إجْبَارًا وَإِنَّمَا يُقَاسُ بِخَطِّهِ إرْهَابًا لِيَعْتَرِفَ بِهِ طَوْعًا ، وَإِنْ اعْتَرَفَ بِالْخَطِّ وَأَنْكَرَ الْقَبْضَ فَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَكُونُ فِي الْحُقُوقِ السُّلْطَانِيَّةِ خَاصَّةً حُجَّةً لِلْعَامِلَيْنِ وَبِالدَّفْعِ وَحَجَّةً عَلَى الْعُمَّالِ بِالْقَبْضِ اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ ؛ وَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ وَلَا لِلْعَامِلِينَ حَتَّى يُقِرَّ بِهِ لَفْظٌ كَالدُّيُونِ الْخَاصَّةِ ، وَفِيمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مُقْنِعٌ .وَأَمَّا اسْتِيفَاؤُهَا مِنْ الْعُمَّالِ ، فَإِنْ كَانَتْ خَرَاجًا إلَى بَيْتِ الْمَالِ لَمْ يُحْتَجْ فِيهَا إلَى تَوْقِيعِ وَلِيِّ الْأَمْرِ ، وَكَانَ اعْتِرَافُ صَاحِبِ بَيْتِ الْمَالِ بِقَبْضِهَا حُجَّةً فِي بَرَاءَةِ الْعُمَّالِ مِنْهَا ، وَالْكَلَامُ فِي خَطٍّ إذَا تَجَرَّدَ عَنْ إقْرَارِهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي خُطُوطِ الْعُمَّالِ أَنَّهُ يَكُونُ حُجَّةً عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَلَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَإِنْ كَانَتْ خَرَاجًا مِنْ حُقُوقِ بَيْتِ الْمَالِ وَلَمْ تَكُنْ خَرَاجًا إلَيْهِ لَمْ يَمْضِ الْعُمَّالُ إلَّا بِتَوْقِيعِ وَلِيِّ الْأَمْرِ وَكَانَ التَّوْقِيعُ إذَا عُرِفَتْ صِحَّتُهُ حُجَّةً مُقْنِعَةً فِي جَوَازِ الدَّفْعِ .وَأَمَّا الِاحْتِسَابُ بِهِ فَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الِاحْتِسَابُ بِهِ مَوْقُوفًا عَلَى اعْتِرَافِ الْمُوَقَّعِ لَهُ بِقَبْضِ مَا تَضَمَّنَهُ ؛ لِأَنَّ التَّوْقِيعَ حُجَّةٌ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ ، وَلَيْسَ بِحَجَّةٍ فِي الْقَبْضِ مِنْهُ .وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يُحْتَسَبُ بِهِ الْعَمَلُ فِي حُقُوقِ بَيْتِ الْمَالِ ، فَإِنْ أَنْكَرَ صَاحِبُ التَّوْقِيعِ