وَأَرْضُ الْخَرَاجِ تَتَمَيَّزُ عَنْ أَرْضِ الْعُشْرِ فِي الْمِلْكِ وَالْحُكْمِ .وَالْأَرْضُونَ كُلُّهَا تَنْقَسِمُ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا مَا اسْتَأْنَفَ الْمُسْلِمُونَ إحْيَاءَهُ فَهُوَ أَرْضُ عُشْرٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوضَعَ عَلَيْهَا خَرَاجٌ ؛ وَالْكَلَامُ فِيهَا يُذْكَرُ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا .وَالْقِسْمُ الثَّانِي : مَا أَسْلَمَ عَلَيْهِ أَرْبَابُهُ فَهُمْ أَحَقُّ بِهِ ، فَتَكُونُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَرْضَ عُشْرٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوضَعَ عَلَيْهَا خَرَاجٌ .وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَجْعَلَهَا خَرَاجًا أَوْ عُشْرًا ، فَإِنْ جَعَلَهَا خَرَاجًا لَمْ يَجُزْ أَنْ تُنْقَلَ إلَى الْعُشْرِ ، وَإِنْ جَعَلَهَا عُشْرًا جَازَ أَنْ تُنْقَلَ إلَى الْخَرَاجِ .وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : مَا مُلِكَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَنْوَةً وَقَهْرًا ، فَيَكُونُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ غَنِيمَةً تُقْسَمُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَتَكُونُ أَرْضَ عُشْرٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوضَعَ عَلَيْهَا خَرَاجٌ ، وَجَعَلَهَا مَالِكٌ وَقْفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِخَرَاجٍ يُوضَعُ عَلَيْهَا .وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَكُونُ الْإِمَامُ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ .وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ مَا صُولِحَ عَلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَرْضِهِمْ فَهِيَ الْأَرْضُ الْمُخْتَصَّةُ بِوَضْعِ الْخَرَاجِ عَلَيْهَا وَهِيَ عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : مَا خَلَا عَنْهَا أَهْلُهَا فَحَصَلَتْ لِلْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ قِتَالٍ فَتَصِيرُ وَقْفًا عَلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَيُضْرَبُ عَلَيْهَا الْخَرَاجُ وَيَكُونُ أُجْرَةً تُقَرُّ عَلَى الْأَبَدِ وَإِنْ لَمْ يُقَدَّرْ بِمُدَّةٍ لِمَا فِيهَا مِنْ عُمُومِ الْمَصْلَحَةِ وَلَا يَتَغَيَّرُ بِإِسْلَامٍ وَلَا ذِمَّةٍ ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ رِقَابِهَا اعْتِبَارًا لِحُكْمِ الْوُقُوفِ .وَالضَّرْبُ الثَّانِي : مَا أَقَامَ فِيهِ أَهْلُهُ وَصُولِحُوا عَلَى إقْرَارِهِ فِي أَيْدِيهِمْ بِخَرَاجٍ يُضْرَبُ عَلَيْهِمْ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنْ يَنْزِلُوا عَنْ مِلْكِهَا لَنَا عِنْدَ صُلْحِنَا فَتَصِيرُ هَذِهِ الْأَرْضُ وَقْفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَاَلَّذِي انْجَلَى عَنْهُ أَهْلُهُ ، وَيَكُونُ الْخَرَاجُ الْمَضْرُوبُ عَلَيْهِمْ أُجْرَةً لَا تَسْقُطُ بِإِسْلَامِهِمْ وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ بَيْعُ رِقَابِهَا ، وَيَكُونُونَ أَحَقَّ بِهَا مَا أَقَامُوا عَلَى صُلْحِهِمْ وَلَا تُنْتَزَعُ مِنْ أَيْدِيهِمْ سَوَاءٌ أَقَامُوا عَلَى شِرْكِهِمْ أَمْ أَسْلَمُوا كَمَا لَا تُنْتَزَعُ الْأَرْضُ الْمُسْتَأْجَرَةُ مِنْ يَدِ مُسْتَأْجِرِهَا ، وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُمْ بِهَذَا الْخَرَاجِ جِزْيَةُ رِقَابِهِمْ إنْ صَارُوا أَهْلَ ذِمَّةٍ مُسْتَوْطِنِينَ ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَقِلُوا إلَى الذِّمَّةِ وَأَقَامُوا عَلَى حُكْمِ الْعَهْدِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَرُّوا فِيهَا سَنَةً وَجَازَ إقْرَارُهُمْ فِيهَا دُونَهَا بِغَيْرِ جِزْيَةٍ .وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَسْتَبِقُوهَا عَلَى أَمْلَاكِهِمْ وَلَا يَنْزِلُوا عَنْ رِقَابِهَا وَيُصَالِحُوا عَنْهَا بِخَرَاجٍ يُوضَعُ عَلَيْهَا ، فَهَذَا الْخَرَاجُ جِزْيَةٌ تُؤْخَذُ مِنْهُمْ مَا أَقَامُوا عَلَى شِرْكِهِمْ وَتَسْقُطُ عَنْهُمْ بِإِسْلَامِهِمْ وَيَجُوزُ أَنْ لَا يُؤْخَذَ مِنْهُمْ جِزْيَةُ رِقَابِهِمْ ، وَيَجُوزُ لَهُمْ بَيْعُ هَذِهِ الْأَرْضِ عَلَى مَنْ شَاؤوا مِنْهُمْ أَوْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ ، فَإِنْ تَبَايَعُوهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ كَانَتْ عَلَى حُكْمِهَا فِي الْخَرَاجِ