لو ظن أن الشارع حمله إياه فنفي الضرر في هذا السياق النفسي يرجع إلى نفي تسبيب الشارع له دفعا لتوهم إيجابه على المكلف وتحميله عليه . 3 - الثالث : إن الصحيح هو الاحتمال الثاني ، لان الحس اللغوي لمن عرف اللغة العربية يشهد بأن الضرر إنما يمثل المعنى نازلا بالمتضرر لا صادرا من الفاعل ، فهو معنى اسم مصدري كالمضرة والمنقصة ، وليس معنى مصدريا كالاضرار ، كما تقدم ذكر ذلك في البحث من معنى الهيئة الافرادية للكلمة . وعلى هذا فيكون مثل هذا الترتيب مثل سائر الأمثلة المماثلة له حالا ك ( لا حرج ) ما يكون المعنى المنفي عنه عملا مرغوبا عنه للمكلف بحسب طبعه وإنما يتحمله بتصور تشريع يفرضه عليه فيكون المنساق من النفي قصد نفي التشريع المتوهم أو المترقب فحسب . وبذلك يكون مفاد ( لا ضرر نفي التسبيب إلى الضرر لجعل حكم ضرري كما هو مسلك المشهور . وأما المقطع الثاني : من الحديث - وهو ( لا ضرار ) - فإنه يندرج في الموضع الأول من المواضع السابقة على ما اتضح بما ذكرناه في مورد ( لا ضرر ) آنفا - لان الضرار هو الاضرار المتكرر أو المستمر ، وقد ذكرنا إن الاضرار بالغير عمل يمارسه الانسان بطبعه لأجل إرضاء الدواعي الشهوية والغضبية ، فإذا نهي عنه كما في جملة من الآيات [1] فهو ظاهر في النهي التحريمي زجرا للمكلفين عن هذا العمل كما هو واضح .
[1] كقوله تعالى ( لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بو لده ) البقرة 2 / 233 و ( اشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد ) البقرة 2 / 282 * ( ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن ) * الطلاق 65 / 676 .