وهذا الحديث الشريف يدلنا على أمور هامة : منها - كون حجية القرعة أمرا واضحا لا يمكن إنكاره ، وقد كان مشهورا بين بطانة أهل البيت عليهم السّلام حتى وقع المباحثة فيه بين زرارة والطيار ، وقد كان زرارة من كبراء أصحاب الصادق عليه السّلام ومن أفقه فقهاء زمانه ، والطيار - وهو محمد بن عبد اللَّه أو ابنه حمزة بن محمد - فان كلا منهما يلقب بهذا اللقب وان كان الأشهر فيه هو الأب - من أجلاء صحابته وكان متكلما فاضلا يباهي به الصادق عليه السّلام كما في بعض الروايات ؛ وكان نظره في هذا البحث الاستفادة من غزارة علم صاحبه ، ولقد أجاد في ما أجاب عنه زرارة في الفقرتين ، فقد ذكر في الأولى ان إطلاق ما ورد في خروج سهم المحق ناظر إلى صورة إرادة كشف الواقع فهو منصرف عما إذا كان على التجارب . وفي الثانية انه لو احتمل كذب المتداعيين جميعا لم يكف إلقاء سهمين بل لا بد من ثلاثة أسهم : سهم لهذا وسهم لذاك ، وسهم مبيح ليس لهما ، فلا يكون هناك ما ينافي ما ورد في الحديث من خروج سهم المحق . ومنها - كون القرعة كاشفا عن الواقع كشفا دائميا لا يقع التخلف فيه ، ولكن هذا ليس من كلام النبي صلَّى اللَّه عليه وآله وسلم أو الإمام عليه السّلام بل هو ما استنبطه زرارة عن الحديث المشهور النبوي الوارد في هذا الباب ما من قوم فوضوا أمرهم إلخ ثمَّ بنى عليه ما بنى . ولكن قد مر آنفا إمكان حمله على الإصابة الغالبية وسيأتي مزيد بحث فيه ان شاء اللَّه . ومنها - انه لا بد من إلقاء سهم مبيح إذا احتمل كذب المتداعيين . 4 - ما رواه البرقي عن منصور بن حازم قال سأل بعض أصحابنا أبا عبد اللَّه عليه السّلام عن مسألة فقال هذه تخرج في القرعة ثمَّ قال : فأي قضية أعدل من القرعة إذا فوضوا أمرهم إلى الله عز وجل أليس اللَّه يقول « فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ » . [1]
[1] رواه في الوسائل في ج 3 في كتاب القضاء في باب القرعة .