بالطريق الأصعب الذي يشق على المكلف مثله ويترك الطريق الأسهل بناء على التشديد على النفس كالذي يجد للطهارة ماءين سخنا وباردا فيتحرى البارد الشاق استعماله ويترك الآخر فهذا لم يعط النفس حقها الذي طلبه الشارع منه وخالف دليل رفع الحرج من غير معنى زائد فالشارع لم يرض بشرعية مثله وقد قال الله تعالى « ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما » فصار متبعا لهواه ولا حجة له في قوله عليه الصلاة والسلام ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات إسباغ الوضوء عند الكريهات الحديث من حيث كان الإسباغ مع كراهية النفس سببا لمحو الخطايا ورفع الدرجات ففيه دليل على أن للإنسان أن يسعى في تحصيل هذا الأجر بإكراه النفس ولا يكون إلا بتحري إدخال الكراهية عليها لأنا نقول لا دليل في الحديث على ما قلتم وإنما فيه أن الإسباغ مع وجود الكراهية ففيه أمر زائد كالرجل يجد ماء باردا في زمان الشتاء ولا يجده سخنا فلا يمنعه شدة برده عن كمال الإسباغ وأما القصد إلى الكراهية فليس في الحديث ما يقتضيه بل في الأدلة المتقدمة ما يدل على أنه مرفوع عن العباد ولو سلم أن الحديث يقتضيه لكانت أدلة رفع الحرج تعارضه وهي قطعية وخبر الواحد ظني فلا تعارض بينهما للاتفاق على تقديم القطعي ومثل الحديث قول الله تعالى « ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة » الآية ومن ذلك الاقتصار من المأكول على أخشنه وأفظعه لمجرد التشديد لا لغرض سواه فهو من النمط المذكور فوقه لأن الشرع لم يقصد إلى تعذيب النفس في التكليف وهو أيضا مخالف لقوله عليه الصلاة والسلامة إن لنفسك عليك حقا وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأكل الطيب إذا وجده وكان يحب الحلواء والعسل ويعجبه لحم الذراع ويستعذب له الماء فأين التشديد من هذا ؟ ولا يدخل الاستعمال المباح في قوله تعالى « أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا » لأن المراد به الإسراف الخارج عن حد المباح بدليل ما تقدم فإذا الاقتصار على البشيع في المأكول من غير عذر تنطع وقد مر ما فيه في قوله تعالى « يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم » الآية .