الديارات وتركوهم وما ابتدعوا فتخلوا للعبادة قال حبيب لمعن فهل لك قال ليس بيوم ذلك فاقتضى أن مثل ما فعلته النصارى مشروع في ديننا كذلك ومراده أن اعتزال الناس عند اشتهارهم بالبدع وغلبة الأهواء على حد ما شرع في ديننا لا أن نفس ما فعلت النصارى في رهبانيتها متيسر لنا لما ثبت من نسخه فعلى هذه الأحرف جرى كلام الإمام أبى حامد وغيره ممن نقل هو عنهم واحتج بهم ويدل على ذلك أن جماعة ممن نقل عنهم الترغيب في الغزلة كانوا متزوجين بهم ولم يكن ذلك مانعا من البقاء على ما هم عليه بناء منهم على التحري في الموازنة بين ما يلحقهم بسبب التزوج فلا إشكال إذا على هذا التقرير في كلام الغزالي ولا غيره ممن سلك مسلكه لأنهم بنوا على أصل قطعي في الشرع محكم لا ينسخه شئ وليس من مسألتنا بسبيل ولكن ثم تحقيق زائد لا يسع إيراده هاهنا واصله مأخوذ من كتاب الموافقات من تمرن فيه حقق هذا المعنى على التمام وبالله تعالى التوفيق . والحاصل أن مضمون هذا الفصل يقتضى أن العمل على الرهبانية المنفية في الآية بدعة من البدع الحقيقية لا الإضافية لرد رسول الله صلى الله عليه وسلم لها أصلا وفرعا . فصل ثبت بمضمون هذه الفصول المتقدمة آنفا أن الحرج منفى عن الدين جملة وتفصيلا - وإن كان قد ثبت أيضا في الأصول الفقهية على وجه من البرهان أبلغ - فلنبن عليه فنقول : قد فهم قوم من أصول السلف الصالح وأهل الانقطاع إلى الله ممن ثبتت ولا يتهم أنهم كانوا يشددون على أنفسهم ويلزمون غيرهم الشدة أيضا والتزام الحرج ديدنا في سلوك طريق الآخرة وعدوا من لم يدخل تحت هذا الالتزام مقصرا مطرودا أو محروما وربما فهموا ذلك من بعض الإطلاقات الشرعية ، فرشحوا بذلك ما التزموه فأفضى الأمر بهم إلى الخروج عن السنة إلى البدعة الحقيقية أو الإضافية فمن ذلك أن يكون للمكلف طريقان في سلوكه للآخرة أحدهما سهل والآخر صعب وكلاهما في التوصل إلى المطلوب على حد واحد فيأخذ بعض المتشددين