قوة يقينهم أو نحو ذلك من أوصاف أجسامهم أو أنفسهم فقد يختلف العمل الواحد بالنسبة إلى رجلين لأن أحدهما أقوى جسما أو أقوى عزيمة أو يقينا بالموعود والمشقة قد تضعف بالنسبة إلى قوة هذا الأمور وأشباهها وتقوى مع ضعفها فنحن نقول كل عمل يشق الدوام على مثله بالنسبة إلى زيد فهو منهى عنه ولا يشق على عمرو فلا ينهى عنه فنحن نحمل ما داوم عليه الأولون من الأعمال على أنه لم يكن شاقا عليهم وإن كان ما هو أقل منه شاقا علنيا فليس عمل مثلهم بما عملوا به حجة لنا أن ندخل فيما دخلوا فيه إلا بشرط أن يمتد مناط المسئلة فيما بيننا وبينهم وهو أن يكون ذلك العمل لا يشق الدوام على مثله وليس كلامنا في هذا لمشاهدة الجميع فإن التوسط والأخذ بالرفق هو الأولى والأحرى بالجميع وهو الذي دلت عليه الأدلة دون الإيغال الذي لا يسهل مثله على جميع الخلق ولا أكثرهم إلا على القليل النادر منهم والشاهد لصحة هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم إني لست كهيئتكم إني أبيت عند ربى يطعمني ويسقيني يريد صلى الله عليه وسلم أنه لا يشق عليه الوصال ولا يمنعه عن قضاء حق الله وحقوق الخلق فعلى هذا من رزق أنموذجا مما أعطيه صلى الله عليه وسلم فصار يوغل في العمل مع قوته ونشاطه وخفة العمل عليه فلا حرج وأما رده صلى الله عليه وسلم على عبد الله بن عمرو فيمكن أن يكون شهد بأنه لا يطيق الدوام ولذلك وقع له ما كان متوقعا حتى قال ليتني قبلت رخصة نبي الله صلى الله عليه وسلم ويكون عمل ابن الزبير وابن عمر وغيرهما ما في الوصال جاريا على أنهم أعطوا حظا مما أعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا بناء على أصل مذكور في كتاب الموافقات والحمد لله وإذا كان كذلك لم يكن في العمل المنقول عن السلف مخالفة ما سبق . فصل لكن يبقى النظر في تعليل النهى وأنه يقتضى انتفاءه عند انتفاء العلة وما ذكروه فيه صحيح في الجملة وفيه في التفصيل نظر وذلك أن العلة راجعة إلى أمرين أحدهما الخوف من الانقطاع والترك إذا التزم فيما يشق فيه الدوام والآخر الخوف من التقصير فيما هو الآكد من حق الله وحقوق الخلق .