وأما من دعا طائفة إلى منزله فتجاب دعوته وله في ذلك قصده ونيته فهذا ما ظهر تقييده على مقتضى الظاهر والله يتولى السرائر وإنما الأعمال بالنيات انتهى ما قيده فكان مما ظهر لي في هذا الجواب أن ما ذكره في مجالس الذكر صحيح إذا كان على حسب ما اجتمع عليه السلف الصالح فإنهم كانوا يجتمعون لتدارس القرآن فيما بينهم حتى يتعلم بعضهم من بعض ويأخذ بعضهم من بعض فهو مجلس من مجالس الذكر التي جاء في مثلها من حديث أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفت بهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده وهو الذي فهمه الصحابة رضى الله تعالى عنهم من الاجتماع على تلاوة كلام الله وكذلك الاجتماع على الذكر فإنه اجتماع على ذكر الله ففي رواية أخرى أنه قال لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة الحديث المذكور لا الاجتماع للذكر على صوت واحد وإذا اجتمع القوم على التذكر لنعم الله أو التذاكر في العلم إن كانوا علماء أو كان فيهم عالم فجلس إليه متعلمون أو اجتمعوا يذكر بعضهم بعضا بالعمل بطاعة الله والبعد عن معصيته - وما أشبه ذلك مما كان يعمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه وعمل به الصحابة والتابعون - فهذه المجالس كلها مجالس ذكر وهي التي جاء فيها من الأجر ما جاء كما يحكى عن ابن أبى ليلى أنه سئل عن القصص فقال أدركت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يجلسون ويحدث هذا بما سمع وهذا بما سمع - فأما أن يجلسوا خطيبا فلا - وكان كالذي نراه معمولا به في المساجد من اجتماع الطلبة على معلم يقرئهم القرآن أو علما من العلوم الشرعية أو تجتمع إليه العامة فيعلمهم أمر دينهم ويذكرهم بالله ويبين لهم سنة نبيهم ليعملوا بها ويبين لهم المحدثات التي هي ضلالة ليحذروا منها ويتجنبوا مواطنها والعمل بها فهذه مجالس الذكر على الحقيقة وهي التي حرمها الله أهل البدع من هؤلاء الفقراء الذين زعموا أنهم سلكوا طريق التصوف - وقل ما تجد منهم من يحسن قراءة الفاتحة في الصلاة إلا على اللحن فضلا عن غيرها ولا يعرف كيف يتعبد ولا كيف يستنجى أو يتوضأ أو يغتسل من الجنابة وكيف يعلمون ذلك وهم قد حرموا مجالس الذكر التي