تغشاها الرحمة وتنزل فيها السكينة وتحف بها الملائكة فبانطماس هذا النور عنهم ضلوا فاقتدوا بجهال أمثالهم وأخذوا يقرأون الأحاديث النبوية والآيات القرآنية فينزلونها على آرائهم لا على ما قال أهل العلم فيها فخرجوا عن الصراط المستقيم إلى أن يجتمعوا ويقرأ أحدهم شيئا من القرآن يكون حسن الصوت طيب النغمة جيد التلحين تشبه قراءته الغناء المذموم ثم يقولون تعالوا نذكر الله فيرفعون أصواتهم يمشون ذلك الذكر مداولة طائفة في جهة وطائفة في جهة أخرى على صوت واحد يشبه الغناء ويزعمون أن هذا من مجالس الذكر المندوب إليها وكذبوا فإنه لو كان حقا لكان السلف الصالح أولى بإدراكه وفهمه والعمل به وإلا فأين في الكتاب أوفى السنة الاجتماع للذكر على صوت واحد جهرا عاليا وقد قال تعالى « ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين » والمعتدون في التفسير هم الرافعون أصواتهم بالدعاء وعن أبى موسى قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فجعل الناس يجهرون بالتكبير فقال النبي صلى الله عليه وسلم أربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم وهذا الحديث من تمام تفسير الآية ولم يكونوا رضى الله عنهم يكبرون على صوت واحد ولكنه نهاهم عن رفع الصوت ليكونوا ممتثلين للآية وقد جاء عن السلف أيضا النهى عن الاجتماع على الذكر والدعاء بالهيئة التي يجتمع عليها هؤلاء المبتدعون وجاء عنهم النهى عن المساجد المتخذة لذلك وهي الربط التي يسمونها بالصفة ذكر من ذلك ابن وهب وابن وضاح وغيرهما ما فيه كفاية لمن وفقه الله فالحاصل من هؤلاء أنهم حسنوا الظن بأنهم فيما هم عليه مصيبون وأساؤوا الظن بالسلف الصالح أهل العمل الراجح الصريح وأهل الدين الصحيح ثم لما طالبهم لسان الحال بالحجة أخذوا كلام المجيب وهم لا يعلمون وقولوه ما لا يرضى به العلماء وقد بين ذلك في كلام آخر إذ سئل عن ذكر فقراء زماننا فأجاب بأن مجالس الذكر المذكورة في الأحاديث أنها هي التي يتلى فيها القرآن والتي يتعلم فيها العلم والدين والتي تعمر بالعمل والتذكير بالآخرة والجنة والنار كمجالس سفيان الثوري والحسن وابن سيرين وأضرابهم أما مجالس الذكر اللساني فقد صرح بها في حديث الملائكة السياحين لكن لم يذكر