وذلك أنه وقع السؤال عن قوم يتسمون بالفقراء يزعمون أنهم سلكوا طريق الصوفية فيجتمعون في بعض الليالي ويأخذون في الذكر الجهوري على صوت واحد ثم في الغناء والرقص إلى آخر الليل ويحضر معهم بعض المتسمين بالفقهاء يترسمون برسم الشيوخ الهداة إلى سلوك ذلك الطريق هل هذا العمل صحيح في الشرع أم لا فوقع الجواب بأن ذلك كله من البدع المحدثات المخالفة طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وطريقة أصحابه والتابعين لهم بإحسان فنفع الله بذلك من شاء من خلقه ثم إن الجواب وصل إلى بعض البلدان فقامت القيامة على العاملين بتلك التبدع وخافوا اندراس طريقتهم وانقطاع أكلهم بها فأرادوا الانتصار لأنفسهم بعد أن راموا ذلك بالانتساب إلى شيوخ الصوفية الذين ثبتت فضيلتهم واشتهرت في الانقطاع إلى الله والعمل بالسنة طريقتهم فلم يستقر لهم الاستدلال لكونهم على ضد ما كان عليه القوم فإنهم كانوا بنوا نحلتهم على ثلاثة أصول الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في الأخلاق والأفعال وأكل الحلال وإخلاص النية في جميع الأعمال وهؤلاء قد خالفوهم في هذه الأصول فلا يمكنهم الدخول تحت ترجمتهم وكان من قدر الله أن بعض الناس سأل بعض شيوخ الوقت في مسألة تشبه هذه لكن حسن ظاهرها بحيث يكاد باطنها يخفى على غير المتأمل فأجاب عفا الله عنه على مقتضى ظاهرها من غير تعرض إلى ما هم عليه من البدع والضلالات ولما سمع بعضهم بهذا الجواب أرسل به إلى بلدة أخرى فأتى به فرحل إلى غير بلده وشهر في شيعته أن بيده حجة لطريقتهم تقهر كل حجة وأنه طالب للمناظرة فيها فدعى لذلك فلم يقم فيه ولا قعد غير أنه قال إن هذه حجتي وألقى بالبطاقة التي بخط المجيب وكان هو ومجيبه وأشياعه يطيرون بها فرحا فوصلت المسألة إلى غرناطة وطلب من الجميع النظر فيها فلم يسع أحد له قوة على النظر فيها الأول أن يظهر وجه الصواب فيها الذي يدان الله به لأنه من النصيحة التي هي الدين القويم والصراط المستقيم ونص خلاصة السؤال ما يقول الشيخ فلان في جماعة من المسلمين يجتمعون في رباط على ضفة البحر في الليالي الفاضلة يقرأون جزءا من القرآن ويستمعون من كتب الوعظ والرقائق ما أمكن في الوقت ويذكرون الله بأنواع التهليل والتسبيح والتقديس ثم يقوم من بينهم قوال يذكر شيئا في مدح النبي صلى الله عليه وسلم ويلقى من السماع ما تتوق النفس