ثم قال وليس معنى قوله من رآني فقد رآني حقا أن كل من رأى في منامه أنه رآه فقد رآه حقيقة بدليل أن الرائي قد يراه مرات على صور مختلفة ويراه الرائي على صفة وغيره على صفة أخرى ولا يجوز أن تختلف صور النبي صلى الله عليه وسلم ولا صفاته وإنما معنى الحديث من رآني على صورتي التي خلقت عليها فقد رآني إذ لا يتمثل الشيطان بي إذ لم يقل من رآني أنه رآني فقد رآني وإنما قال من رآني فقد رآني وأنى لهذا الرائي الذي رأي أنه رآه على صورة أنه رآه عليها وإن ظن أنه رآه ما لم يعلم أن تلك الصورة صورته بعينها وهذا مالا طريق لأحد إلى معرفته فهذا ما نقل عن ابن رشد وحاصله يرجع إلى أن المرئى قد يكون غير النبي صلى الله عليه وسلم وإن اعتقد الرائي أنه هو والتأويل الثاني يقوله علماء التعبير إن لشيطان قد يأتي النائم في صورة ما من معارف الرائي وغيرهم فيشير له إلى رجل آخر هذا فلان النبي وهذا الملك الفلاني أو من أشبه هؤلاء ممن لا يتمثل الشيطان به فيوقع اللبس على الرائي بذلك وله علامة عندهم وإذا كان كذلك أمكن أن يكلمه المشار إليه بالأمر والنهى غير الموافقين للشرع فيظن الرائي أنه من قبل النبي صلى الله عليه وسلم ولا يكون كذلك فلا يوثق بما يقول له أو يأمر أو ينهى وما أحرى هذا الضرب أن يكون الأمر أو النهى فيه مخالفا لكمال الأول حقيق بأن يكون فيه موافقا وعند ذلك لا يبقى في المسألة إشكال نعم لا يحكم بمجرد الرؤيا حتى يعرضها على العلم لإمكان اختلاط أحد القسمين بالأخر وعلى الجملة فلا يستدل بالرؤيا في الأحكام إلا ضعيف المنة نعم يأتي المرئى تأنيسا وبشارة ونذارة خاصة بحيث لا يقطعون بمقتضاها حكما ولا يبنون عليها أصلا وهو الاعتدال في أخذها حسبما فهم من الشرع فيها والله أعلم . فصل وقد رأينا أن نختم الكلام في الباب بفصل جمع جملة من الاستدلالات المتقدمة وغيرها في معناها وفيه من نكت هذا الكتاب جملة أخرى فهو مما يحتاج إليه بحسب الوقت والحال وإن كان فيه طول ولكنه يخدما ما نحن فيه إن شاء الله تعالى .