يرفعها عذر إلا العذر الرافع للخطاب رأسا وهو زوال العقل فلو بلغ لمكلف في مراتب الفضائل الدينية إلى أي رتبة بلغ بقي التكليف عليه كذلك إلى الموت ولا رتبة لأحد يبلغها في الدين كرتبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رتبة أصحابه البررة ولم يسقط عنهم من التكليف مثقال ذرة إلا ما كان من تكليف ما لا يطاق بالنسبة إلى الآحاد كالزمن لا يطالب بالجهاد والمقعد لا يطالب بالصلاة قائما والحائض لا تطلب بالصلاة المخاطب بها في حال حيضها ولا ما أشبه ذلك فمن رأى أن التكليف قد يرفعه البلوغ إلى مرتبة ما من مراتب الدين - كما يقوله أهل الإباحة - كان قوله بدعة مخرجة عن الدين ومنه دعاوى أهل البدع على الأحاديث الصحيحة مناقضتها للقرآن أو مناقضة بعضها بعضا وفساد معانيها أو مخالفتها للعقول - كما حكموا بذلك في قوله صلى الله عليه وسلم للمتحاكمين إليه والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله مائة الشاة والخادم رد عليك وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام وعلى المرأة هذه الرجم واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها فغدا عليها فاعترفت فرجمها - قالوا هذا مخالف لكتاب الله لأنه قضى بالرجم والتغريب وليس للرجم ولا للتغريب في كتاب الله ذكر فإن كان الحديث باطلا فهو ما أردنا وإن كان حقا فقد ناقض كتاب الله بزيادة الرجم والتغريب فهذا اتباع للمتشابه لأن الكتاب في كلام العرب وفي الشرع يتصرف على وجوه منها الحكم والفرض كقوله تعالى « كتاب الله عليكم » وقال تعالى « كتب عليكم الصيام » - ( وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال ) فكان المعنى لأقضين بينكما بكتاب الله أي بحكم الله الذي شرع لنا كما أن الكتاب يطلق على القرآن فتخصيصهم الكتاب بأحد المحامل من غير دليل اتباع لما تشابه من الأدلة وفي الحديث مثل أمتي كمطر لا يدرى أوله خير أم آخره قالوا فهذا يقتضى أنه لم يثبت لأول هذه الأمة فضل على الخصوص دون آخرها ولا العكس ثم نقل إن الإسلام بدى غريبا وسيعود غريبا كما بدئ فطوبى للغرباء فهذا يقتضى تفضيل الأولين والآخرين على الوسط ثم نقل خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم فاقتضى أن الأولين أفضل على الإطلاق .