تحريمها في القرآن نصا وإنما قصدوا من ذلك أن يثبت لهم من أنظار عقولهم ما استحسنوا والظن المراد في الآية وفي الحديث أيضا غير ما زعموا وقد وجدنا له محال ثلاثة أحدها الظن في أصول الدين فإنه لا يغنى عند العلماء لاحتماله النقيض عند الظان بخلاف الظن في الفروع فإنه معمول به عند أهل الشريعة للدليل الدال على إعماله فكان الظن مذموما إلا ما تعلق منه بالفروع وهذا صحيح ذكره العلماء في الموضع والثاني أن الظن هنا هو ترجيح أحد النقيضين على الآخر من غير دليل مرجح ولا شك أنه مذموم هنا لأنه من التحكم ولذلك اتبع في الآية بهوى النفس في قوله « إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس » فكأنهم مالوا إلى أمر بمجرد الغرض والهوى ولذلك أثبت ذمه بخلاف الظن الذي أثاره دليل فإنه غير مذموم في الجملة لأنه خارج عن اتباع الهوى ولذلك أثبت وعمل بمقتضاه حيث يليق العمل بمثله كالفروع . والثالث أن الظن على ضربين ظن يستند إلى أصل قطعي وهذه هي الظنون المعمول بها في الشريعة أينما وقعت لأنها استندت إلى أصل معلوم فهي من قبيل المعلوم جنسه وظن لا يستند إلى قطعي بل إما مستند إلى غير شئ أصلا وهو مذموم - كما تقدم - وإما مستند إلى ظن مثله فذلك الظن إن استند أيضا إلى قطعي فكالأول أو إلى ظني رجعنا إليه فلا بد أن يستند إلى قطعي وهو محمود أو إلى غير شيء وهو مذموم فعلى كل تقدير خبر واحد صح سنده فلا بد من استناده إلى أصل في الشريعة قطعي فيجب قبوله ومن هنا قبلناه مطلقا كما أن ظنون الكفار غير مستندة إلى شئ فلا بد من ردها وعدم اعتبارها وهذا الجواب الأخير مستمد من أصل وقع بسطه في كتاب الموافقات والحمد لله ولقد بالغ بعض الضالين في رد الأحاديث ورد قول من اعتمد على ما فيها حتى عدوا القول به مخالفا للعقل والقائل به معدود في المجانين فحكى أبو بكر بن العربي عن بعض من لقى بالمشرق من المنكرين للرؤية أنه قيل له هل يكفر من يقول بإثبات رؤية الباري أم لا فقال لا لأنه قال بما لا يعقل