والثاني أن يلتزم على وجه لا يتعدى بحيث يفهم منه الجاهل أنه لا يجوز إلا على ذلك الوجه فحينئذ يكون الالتزام المشار إليه البدعة بل بدعة مذمومة وضلالة وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى فلا تكون إذا مستحبة والثالث أن يجرى على رأى من يرى المعقول المعنى وغيره بدعة مذمومة كمن كره تنخيل الدقيق في الصيغة فلا تكون عنده البدعة مباحة ولا مستحبة وصلاة التراويح تقدم الكلام عليها وأما الكلام في دقائق التصوف فليس ببدعة بإطلاق ولا هو مما صح بالدليل بإطلاق بل الأمر ينقسم ولفظ التصوف لا بد من شرحه أولا حتى يقع الحكم على أمر مفهوم لأنه أمر مجمل عند هؤلاء المتأخرين فلنرجع إلى ما قال فيه المتقدمون وحاصل ما يرجع فيه لفظ التصوف عندهم معنيان أحدهما التخلق بكل خلق سنى والتجرد عن كل خلق دني والآخر أنه الفناء عن نفسه والبقاء لربه وهما في التحقيق إلى معنى واحد إلا أن أحدهما يصلح التعبير به عن البداية والآخر يصلح التعبير به عن النهاية وكلاهما اتصاف إلا أن الأول لا يلزمه الحال والثاني يلزمه الحال وقد يعبر فيهما بلفظ آخر فيكون الأول عملا تكليفيا والثاني نتيجته ويكون الأول اتصاف الظاهر والثاني اتصاف الباطن ومجموعهما هو التصوف وإذا ثبت هذا فالتصوف بالمعنى الأول لا بدعة في الكلام فيه لأنه إنما يرجل إلى تفقه ينبني عليه العمل وتفصيل آفاته وعوارضه وأوجه تلافى الفساد الواقع فيه بالإصلاح وهو فقه صحيح وأصوله في الكتاب والسنة ظاهرة فلا يقال في مثله بدعة إلا إذا أطلق على فروع الفقه التي لم يلف مثلها في السلف الصالح أنها بدعة كفروع أبواب السلم والإجارات والجراح ومسائل السهو والرجوع عن الشهادات وبيوع الآجال وما أشبه ذلك وليس من شأن العلماء إطلاق لفظ البدعة على الفروع المستنبطة التي لم تكن فيما سلف