هذا وإن كان قد نقل عنهم كراهية كتب العلم من الحديث وغيره فإنما هو محمول اما على الخوف من الاتكال على الكتب استغناء به عن الحفظ والتحصيل واما على ما كان رأيا دون ما كان نقلا من كتاب أو سنة ثم اتفق الناس بعد ذلك على تدوين الجميع لما ضعف الأمر وقل المجتهدون في التحصيل فخافوا على الدين جملة قال اللخمي لما ذكر كلام مالك وغيره في كراهية بيع كتب العلم والإجارة على تعليمه وخرج عليه الإجارة على كتبه وحكى الخلاف وقال لا أرى اليوم ان يختلف في ذلك انه جائز لان حفظ الناس وافهامهم قد نقصت وقد كان كثير ممن تقدم ليست لهم كتب قال مالك ولم يكن للقاسم ولا لسعيد كتب وما كنت أقرأ على أحد يكتب في هذه الألواح ولقد قلت لابن شهاب أكنت تكتب العلم فقال لا فقلت أكنت تحب يقيدوا عليك الحديث فقال لا فهذا كان شأن الناس فلو سار الناس سيرتهم لضاع العلم ولم يكن بينا منه ولو رسمه أو اسمه وهذا الناس اليوم يقرؤون كتبهم ثم هم في التقصير على ما هم عليه وأيضا فإنه لا خلاف عندنا في مسائل الفروع ان القول فيها بالاجتهاد والقياس واجب وإذا كان كذلك كان اهمال كتبها وبيعها يؤدي إلى التقصير في الاجتهاد وان لا يوضع مواضعه لان في معرفة أقوال المتقدمين والترجيح بين أقاويلهم قوة وزيادة في وضع الاجتهاد مواضعه انتهى ما قاله اللخمي وفي إجازة العمل بما لم يكن عليه من تقدم لان له وجها صحيحا فكذلك نقول كل ما كان من المحدثات له وجه صحيح فليس بمذموم بل هو محمود وصاحبه الذي سنه ممدوح فأين ذمها باطلاق أو على العموم وقد قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور فأجاز كما ترى احداث الأقضية واختراعها على قدر اختراع الفجار للفجور وان لم يكن لتلك المحدثات أصل وقتل الجماعة بالواحد وهو محكي عن عمر وعلي وابن عباس والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم .