فكذلك قوله من سن سنة حسنة أي من اخترعها من نفسه لكن بشرط أن تكون حسنة فله من الأجر ما ذكر فليس المراد من عمل سنة ثابتة وانما العبارة عن هذا المعنى ان يقال من عمل بسنتي أو سنة من سنتي وما أشبه ذلك كما خرج الترمذي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال بن الحارث اعلم قال اعلم يا رسول الله قال اعلم يا بلال قال اعلم يا رسول الله قال إنه من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي فان له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن ابتدع بدعة ضلالة لا ترضى الله ورسوله كان عليه مثل إثم من عمل بها لا ينقص ذلك من آثام الناس شيئا حديث حسن وعن أنس رضي الله عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بني ان قدرت ان تصبح وتمسي ليس في قلبك غش لأحد فافعل ثم قال لي يا بني وذلك من سنتي ومن أحيا سنتي فقد أحبني ومن أحبني كان معي في الجنة حديث حسن فقوله من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي واضح في العمل بما ثبت أنه سنة وكذلك قوله من أحيا سنتي فقد أحبني ظاهر في السنن الثابتة بخلاف قوله من سن كذا فإنه ظاهر في الاختراع أولا من غير أن يكون ثابتا في السنة واما قوله لبلال بن الحارث ومن ابتدع بدعة ضلالة فظاهر ان البدعة لا تذم بإطلاق بل بشرط أن تكون ضلالة وأن تكون لا يرضاها الله ورسوله فاقتضى هذا كله ان البدعة إذا لم تكن كذلك لم يلحقها ذم ولا تبع صاحبها وزر فعادت إلى أنها سنة حسنة ودخلت تحت الوعد بالأجر والثاني ان السلف الصالح رضي الله عنهم وأعلاهم الصحابة قد عملوا بما لم يأت به كتاب ولا سنة مما رأوه حسنا واجمعوا عليه ولا تجتمع أمة محمد صلى الله عليه وسلم على ضلالة وانما يجتمعون على هذا وما هو حسن فقد اجمعوا على جمع القرآن وكتبه في المصاحف وعلى جمع الناس على المصاحف العثمانية واطراح ما سوى ذلك من القراءات التي كانت مستعملة في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن في ذلك نص ولا حظر ثم اقتفى الناس أثرهم في ذلك الرأي الحسن فجمعوا العلم ودونوه وكتبوه ومن سباقهم في ذلك مالك بن أنس رضي الله عنه وقد كان من أشدهم اتباعا وأبعدهم من الابتداع .