وإن قلنا إن ترك المتشابه من باب المندوب وان مواقعته من باب المكروه فالاختلاف أيضا واقع من هذه الجهة فإن الإثم في المحرمة هو الظاهر واما المكروهة فلا إثم فيها في الجملة ما لم يقترن بها ما يوجبها كالإصرار عليها إذ الإصرار على الصغيرة يصيرها كبيرة فكذلك الاصرار على المكروه فقد يصيره صغيرة ولا فرق بين الصغيرة والكبيرة في مطلق التأثيم وان حصل الفرق من جهة أخرى بخلاف المكروه مع الصغيرة والشأن في البدع وإن كانت مكروهة في الدوام عليها واظهارها من المقتدى بهم في مجامع الناس وفي المساجد فقلما تقدم بل تقع منهم على أصلها من الكراهية الا ويقترن بها ما يدخلها في مطلق التأثيم من اصرار وتعليم أو إشاعة أو تعصب أو ما أشبه ذلك فلا يكاد يوجد في البدع بحسب الوقوع مكروه لا زائد فيه على الكراهية والله اعلم واما الاختلاف بحسب الاصرار عليها أو عدمه فلأن الذنب قد يكون صغيرا فيعظم بالاصرار عليه كذلك البدعة تكون صغيرة فتعظم بالإصرار عليها فإذا كانت فلتة فهي أهون منها إذا داوم عليها ويلحق بهذا المعنى إذا تهاون بها المبتدع وسهل أمرها نظير الذنب إذا تهاون به فالمتهاون أعظم وزرا من غيره واما الاختلاف من جهة كونها كفرا وعدمه فظاهر أيضا لان ما هو كفر جزاؤه التخليد في العذاب عافانا الله وليس كذلك ما لم يبلغ حكم سائر الكبائر مع الكفر في المعاصي فلا بدعة أعظم وزرا من بدعة تخرج عن الاسلام كما أنه لا ذنب أعظم من ذنب يخرج عن الاسلام فبدعة الباطنية والزنادقة ليست كبدعة المعتزلة والمرجئة وأشباههم ووجوه التفاوت كثيرة ولظهورها عند العلماء لم نبسط الكلام عليها والله المستعان بفضله . فصل ويتعلق بهذا الفصل أمر آخر وهو الحكم في القيام على أهل البدع من الخاصة أو العامة وهذا باب كبير في الفقه تعلق بهم من جهة جنايتهم على الدين وفسادهم في الأرض وخروجهم عن جادة الاسلام إلى بنيات الطريق التي نبه عليها قول الله تعالى « وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله » وهو فصل من تمام الكلام على التأثيم لكنه مفتقر إلى النظر في شعب