ورأيت في بعض تواريخ بغداد عن الشافعي أنه قال حكم في أصحاب الكلام ان يضربوا بالجرائد ويحملوا على الإبل ويطاف بهم في العشائر والقبائل ويقال هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأخذ في الكلام يعني أهل البدع . فصل فان قيل كيف هذا وقد ثبت في الشريعة ما يدل على تخصيص تلك العمومات وتقييد تلك المطلقات وفرع العلماء منها كثيرا من المسائل واصلوا منها أصولا يحتذى حذوها على وفق ما ثبت نقله إذ الظواهر تخرج على مقتضى ظهورها بالاجتهاد وبالحرى إن كان ما يستنبط بالاجتهاد مقيسا على محل التخصيص فلذلك قسم الناس البدع ولم يقولوا بذمها على الاطلاق وحاصل ما ذكروا من ذلك يرجع إلى أوجه أحدها ما في الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم من سن سنة حسنه كان له أجرها وأجر من عمل بها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا وأخرج الترمذي وصححه ان رسول الله صلى لله عليه وسلم قال من دل على خير فله أجر فاعله وخرج أيضا عن جرير بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سن سنة خير فاتبع عليها فله أجره ومثل أجور من اتبعه غير منقوص من أجورهم شيئا ومن سن سنة شر فاتبع عليها كان عليه وزرهم ومثل أوزار من اتبعه غير منقوص من أوزارهم شيئا حسن صحيح فهذه الأحاديث صريحة في أن من سن سنة خير فذلك خير ودل على أنه فيمن ابتدع من سن فنسب الاستنان إلى المكلف دون الشارع ولو كان المرد من عمل سنة ثابته في الشرع لما قال من سن ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ما من نفس تقتل ظلما الا كان على ابن آدم كفل من دمها لأنه أول من سن القتل فسن هاهنا على حقيقة لأنه اختراع لم يكن قبل معمولا به في الأرض بعد وجود آدم عليه السلام .