قبض روح عبد الجليل ، فيجيزه على أن يرفق به ويقبض روحه بأحسن وجه ممكن ، فيأتيه ملك الموت ويأخذ ما يعادل شعرة واحدة من أنفه ويقبض روحه بذلك ، ويستجيزه مرّة أُخرى في قبض روح السيّد - وذكر العلاّمة نفسه أنّه كان يرتعد من الخوف في المنام - ولكن الأمير ( عليه السلام ) غضب وأعرض بوجهه عنه ، وقال : فأخذت أصيح يا سيّدي ويا مولاي أنا من شيعتكم ، وغاية جهدي اتّباع سبيلكم واتّباعكم ، فلم يلتفت إليَّ . فعرض في نفسي أنّ الأمير ( عليه السلام ) لا يعدّني من شيعته ويريد القول إنّي من محبّيه ، ولكن أُحب غيره أيضاً ، يريد أن يقول بذلك : إنّك تدّعي التشيّع ، ولكن لك رفاقة وصداقة مع العالم المخالف الفلاني ، فلمّا التفت إلى ذلك قلت : يا سيّدي أنا من محبّيكم وأولادكم و . . . وأخذت أضجّ وأبكي ، وأضفت : أنّي لا أُحبّ أعداءكم ، وأنا عدوّ لهم . وفي هذا الحال استجاز ملك الموت - وهو واقف على صدري - الأمير ( عليه السلام ) مرّة أُخرى في قبض روحي ، فتبسّم الأمير ( عليه السلام ) - ففهمت منه أنّ أمري إلى الصلاح - وقال : كلاّ ، الآن هو حرّ ، واستيقظت من نومي ، وكنت مستوحشاً ، فلم أستطع النوم بعد ذلك حتّى الصباح ، ولم أستطع أن أحضر في غده الدرس ، وكنت خائفاً ، فجئت إلى حرم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وزرت زيارة مفصّلة ، وذهبت إلى فوق الرأس ، فوجدت الشيخ عبد الجليل وهو من الزهّاد والصلحاء جالساً وهو مشتغل بالذكر والدعاء ، فذهبت إليه مسرعاً وبعجته بيدي بدون اختيار ، وقلت له : أيّ عمل هذا الّذي عملته معي البارحة ، فعرف أنّي رأيت مناماً ، وأنا لست على حالي . فقال : ماذا حدث ؟ اجلس ووضّح لي . فجلست وذكرت له المنام ، وقلت له : ماذا تفعل إذن ؟ وماذا يريد منّي الإمام ( عليه السلام ) . فقال : خير إن شاء الله ، فإنّك ولد الإمام ( عليه السلام ) ، وهو أراد بذلك تأديبك كما يؤدّب الوالد ولده . وأمّا أنا فسأرحل من الدنيا خلال هذه الأيّام ، وعليك أن تسعى في أعمال الخير ، وأخذ ينصحني ، فتركته ورجعت إلى الدار ، وبعد أيّام بلغني أنّ الشيخ عبد الجليل قد توفّي انتهى .