وقال أخيراً بضرس قاطع : ( الفقهاء هم الحكّام في زمان الغيبة والنوّاب من الأئمّة ) . وأخيراً استلم السيّد الخميني هذا التراث من أسلافه الذين سبقوه والذين لم تسنح لهم الفرصة من إقامة الدولة لقلّة العدد وضعف الناصر وجور حكّام الزمان وسلاطين الوقت . استلم ذلك التراث بعد استكمال الدراسة النظريّة عليه فقال : ( فولاية الفقيه - بعد تصوّر أطراف القضيّة - ليست أمراً نظريّاً يحتاج إلى برهان ، ومع ذلك دلّت عليها بهذا المعنى الواسع روايات ) [1] . وأحكم السيّد الخميني هذه المسألة حتّى في حالة مزاحمة الفقهاء ، فجعل المزاحمة أمراً تنكره العقول ومخالفاً لطريقة العقلاء ، ولازم هذا الوجه قيام الدليل الإجتهادي على عدم جواز المزاحمة وبطلان تصرّف المزاحم وحرمته ، وإن أحرزنا من الأدلّة أنّ الولاية بلا قيد ثابتة للفقيه ، لكن احتملنا سبق أحد من الفقهاء موجب لسقوط ولاية غيره حال تصدّيه تستصحب ولايته الثابتة قبل تصدّي الآخر . . . فليس لأحد من الفقهاء الدخول فيما دخل فيه فقيه آخر [2] . وأقام دولة على ذلك التراث الذي وصفه الكاتب بالانعزال السياسي ، وما إن قامت تلك الدولة حتّى تجنّد لها طلاّب الدنيا وعبدة الشيطان لتحديد صلاحيّاتها ومسؤليّاتها وبمختلف الوسائل ، وآخر هذه الوسائل أقلام مَنْ غُرِّرَ بهم . المهم إنّ كلّ ما ذكرنا لم يتم بمعزل عن وعي الإمامة الإلهيّة وشروطها التي نسبها الكاتب إلى فقهاء الشيعة وعلمائها بدون بحث ولا تحقيق . الشيعة والنظريّة الإعلاميّة خالف أحمد الكاتب أبسط مقوّمات الإماميّة التي اعترف بها هو في كلّ موارد كتابه ، وهي السريّة التامّة في طرح نشاطاتهم وأنظمتهم وأفكارهم ، ولكنّه عندما
[1] البيع : ج 2 ، ص 467 . [2] البيع : ج 2 ، ص 518 .