تراجعاً منه عن نظريّة الإمامة الإلهيّة التي وبتصوّره تحصر كلّ الصلاحيّات بالإمام دون غيره . وهذه النظرة خاطئة غير مبنيّة على تحقيق علمي لصلاحيّات الفقيه الشيعية ماضياً وحاضراً ، فلقد وردت روايات من أئمّة أهل البيت تجيز للفقهاء التدخل والقيام ببعض الوظائف ، واتفق كلّ العلماء على هذا التدخّل ، وإن اختلفوا فيه سعة وضيقاً . ومن تلك الروايات ، حديث الإمام الصادق ( عليه السلام ) حيث قال : « انظروا إلى رجل منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا ، وعرف أحكامنا ، فليرضوا به حكماً ، فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً » [1] . ومشهورة أبي خديجة التي قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) فيها : « اجعلوا بينكم رجلاً قد عرف حلالنا وحرامنا ، فإنّي قد جعلته عليكم قاضياً » [2] . وكذلك قول الإمام ( عليه السلام ) : « إيّاكم إذا وقعت بينكم خصومة أو ترادى بينكم في شيء من الأخذ والعطاء أن تحاكموا إلى أحد من هؤلاء الفسّاق ، اجعلوا بينكم رجلاً منكم ممّن قد عرف حلالنا وحرامنا ، فإنّي قد جعلته قاضياً ، وإيّاكم أن يتحاكم بعضكم بعضاً إلى السلطان الجائر » [3] . وغير ذلك من الأحاديث الشريفة لأهل البيت ، والتي عدّها الأستاذ هادي معرفة إلى خمسة عشر حديثاً [4] . وهذه الأحاديث وغيرها هي التي حدّدت صلاحيّات الفقيه الشيعي زمن الغيبة ، وتلقّاها كلّ من المفيد ، والمرتضى ، والطوسي ، وأبو الصلاح الحلبي ، والقاضي ابن برّاج ، ومحمّد بن إدريس الحلّي ، والعلاّمة الحلّي ، وجمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري ، والشهيد الأوّل ، والمحقّق الكركي ، والشهيد الثاني ، والأردبيلي ، وبهاء الدين العاملي ،
[1] وسائل الشيعة : ج 18 ، ص 99 ، باب 11 ، ح 1 . [2] وسائل الشيعة : ج 18 ، ص 99 ، باب 11 ، ح 6 . [3] وسائل الشيعة : ج 18 ، ص 100 ، باب 11 . [4] ولاية الفقيه أبعادها وحدودها : ص 47 - 100 .