ويقول جابر بن عبد الله الأنصاري : ( لا جناح عليَّ في طاعة الظالم إذا أكرهني عليها ) [1] . وبالتقيّة درأ ابن عمر الخطر عنه من الحجّاج مستعيناً بحديث رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « لا ينبغي للمؤمن أن يذلّ نفسه » ، فيقول - ابن عمر - سألت الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وكيف يذلّ نفسه ؟ قال : « يتعرّض من البلاء لما لا يطيق » [2] . وكذلك فعل مسروق بن الأجدح عندما بعث معاوية بن أبي سفيان بتماثيل من صفر تباع بأرض الهند ، فمر بها على مسروق فقال : ( والله لو أنّي أعلم أنّه يقتلني لفرّقتها ، ولكنّي أخاف أن يعذّبني فيفتنني ) [3] . وقد حدّثنا التاريخ أنّ الوليد بن عبد الملك الأموي ( 86 - 96 ه ، 705 - 715 م ) كان يبثّ جواسيسه بين الخلق ليأتوه بالأخبار ، وذات يوم جلس رجل منهم في حلقة رجاء بن حياة ، فسمع بعضهم يقول في الوليد ، فرفع ذلك إليه ، فقال : يا رجاء أُذكر بالسوء في مجلسك ولم تغير ، فقال : ما كان ذلك يا أمير المؤمنين ، فقال له الوليد : قل : الله الذي لا إله إلاّ هو ، قال : الله الذي لا إله إلاّ هو ، فأمر الوليد بالجاسوس فضربه سبعين سوطاً ، فكان الجاسوس يلقى رجاء فيقول : يا رجاء بك يسقى المطر وسبعون سوطاً في ظهري ، فيقول رجاء : سبعون سوطاً في ظهرك خير لك من أن تقتل رجلاً مسلماً . فنكر رجاء أمراً كان واقعاً ، مخافة هدر دم رجل مسلم من قبل حاكم ظالم ، فالفكر الإسلامي مليء بهذه الحوادث ، وتلك المواقف والأقوال للصحابة والتابعين حول مسألة التقيّة . أمّا أئمّة المذاهب ، أمثال مالك وأبي حنيفة ، فقد بايعا المنصور وقالا : ليس على مكره يمين بعدما خرجوا عليه .