هذا الاستغراب في محلّه أم لا ؟ يقول النسائي : ( لمّا رجع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن حجّة الوداع ونزل غدير خم ، أمر بدوحاف فَقُممن ، ثمّ قال : « كأنّي دعيت فأجبت ، إنّي قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض » [1] . وكلمة « لن يفترقا » تدل على أنّ كلّ ما عند أهل البيت هو القرآن بعينه ، وإلاّ لجاز الكذب على رسول الله وحاشاه من ذلك ، ومصاديق أهل البيت أوضح من أن نقيم الاستدلال عليها ، أضف إلى ذلك أنّ عليّاً ( عليه السلام ) نفسه نطق بهذه الحقيقة وقال : « إنّ الله تبارك وتعالى طهّرنا وعصمنا وجعلنا شهداء على خلقه وحجّته في أرضه ، وجعلنا مع القرآن وجعل القرآن معنا ، لا نفارقه ولا يفارقنا » [2] . ولا نجد في التاريخ كلّه أنّ رجلاً وقف بوجه علي وأبنائه وردّ كلامهم ، ألا يكون ذلك دليلاً على أنّه قيّم للقرآن ؟ فلماذا لا يكون قيّماً للقرآن وهو القائل : « ما نزلت آية إلاّ وقد علمت فيما نزلت وأين أُنزلت وعلى من نزلت ، إنّ ربي وهب لي لساناً طلقاً وقلباً عقولاً » [3] . وقال ابن ماجة عن ابن جنادة ، قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : « علي منّي وأنا منه ، ولا يؤدّي عنّي إلاّ علي » [4] . والمورد لا يخصّص الوارد ، فعلي يؤدّي كلّ ما أدّاه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، والقرآن صلب الشريعة التي أدّاها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) للناس ، ولا يؤدّي للناس بعد رسول الله بنص الحديث إلاّ علي ( عليه السلام ) . ومن زاوية أُخرى أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يؤدّي القرآن بلا خطأ أو اشتباه ، ومن غير المعقول أن ينصب للناس من يخطئ ويشتبه ، ويدعوهم إلى
[1] السنن الكبرى للنسائي : ج 5 ، ص 45 ، ح 8148 . [2] الكافي : ج 1 ، ص 247 ، ح 5 . [3] مناقب الخوارزمي : ص 90 ؛ الطبقات الكبرى : ج 2 ، ص 257 . [4] سنن ابن ماجة : ج 1 ، ح 119 ، باب الفضائل .