إلى هنا نجد أنّ الفكر العبّاسي قائم على الوصيّة والنص ، ولهذا قال أحمد الكاتب : ( فقاموا - العباسيّون - بالانسحاب من الفكر الشيعي القديم وتعديل نظريّتهم السياسيّة ، وذلك بإعادة صياغة مصدر الشرعيّة لنظامهم الوليد استناداً إلى أولويّة جدّهم العبّاس بن عبد المطلب ) [1] . فوقع أحمد الكاتب في شباك النص والوصيّة الذي طارده طيلة مدّة بحثه وإن حاول أن يضيف كلمة « أولويّة جدّهم العبّاس » ، فهذه الكلمة لا تنفع ؛ لأننا علمنا بأنّ السلسلة التي غيّرها العبّاسيّون كانت سلسلة وصاية ونص السابق على اللاحق ، ولهذا قال أحمد الكاتب : ( انسحب العبّاسيّون من الفكر الشيعي القديم ) ، ولو سألنا أحمد الكاتب : ما هو الفكر الشيعي القديم ؟ فإنّه لن يستطيع أن يجيب بأكثر ممّا أجاب به أبو مسلم الخراساني بقوله : ( وزويت الأمر عن أهله ووضعته في غير محلّه ) [2] . فأهله هم الحسن والحسين وأولاد الحسين ( عليهم السلام ) ، واحداً بعد واحد ، والفكر الشيعي القديم هو النص والوصيّة لهم ، كما نقلته كتب الشيعة وتسالمت عليه أقطاب الفكر الشيعي كابراً عن كابر . إذن ، الإمامة العبّاسيّة كانت قائمة على مسألة النص والوصيّة ، وهذا يبرز لنا مدى التفكير الإسلامي بمسألة الخلافة المحمّلة بتبعات النص ، ولذلك حاول العبّاسيّون استغلال ذلك . موقف بعض الحسنيين لقد تبيّن فيما مضى أنّ الفكر العبّاسي قائم على أساس النص والوصيّة ، كما رأينا في السلسلة المدّعاة ، سواء كانت من علي بن أبي طالب أو من العبّاس ، المهم أنّ الفكرة واحدة ، وهي ادّعاء الوصاية والنص لا الشورى والانتخاب والأولويّة ، كما يحاول الكاتب إثبات ذلك ، هذا بالنسبة للفكر السياسي العبّاسي .
[1] أحمد الكاتب ، تطوّر الفكر السياسي : ص 42 . [2] تاريخ بغداد : ج 10 ، ص 206 - 207 .