2 - إنّ هؤلاء اطّلعوا على تلك الصحيفة من هذا الطريق ، ولهذا ادّعى كلّ واحد منهم الوصاية ، ليكون له السبق في تأسيس تلك الدولة الموعودة . إلى هنا تبيّن أنّ ميراث علي ( عليه السلام ) كان فيه صحيفة ، ذكرت دولة بني العبّاس ، وصرّحوا بذلك عندما قال داود بن علي وهو والي مكّة آنذاك من قبل أخيه السفّاح ، قال : ( إنّه والله ما كان بينكم وبين رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خليفة إلاّ علي ( عليه السلام ) وأمير المؤمنين هذا الذي خلفي ) [1] ، يعني السفّاح . إلى هنا نجد أنّ العبّاسيين ورثوا الخلافة من صحيفة لميراث علي ، اطّلع عليها محمّد ابن الحنفيّة ، ثمّ ولده أبو هاشم ، ثمّ سرت في ولد ابن الحنفيّة ، ومن ثمّ إلى العبّاسيين الذين ادّعوا الوصاية من أبي هاشم ، وهذه الصحيفة وإن كانت هي إنباء عن غيب ، لكن حاول العبّاسيون غش المسلمين بأنّها وصيّة جاءت من علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) . ولكن بقي سؤال : إذا كانت من علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وهي كما تزعمون وصيّة ، فلماذا سرت في بني العبّاس ولم تسرِ في ولد الحسن والحسين ( عليهما السلام ) ؟ فلا بدّ للعبّاسيين أن يجيبوا عن هذا التساؤل . ولم يجد العبّاسيّون طريقاً لذلك إلاّ من خلال تغيير سلسلة الوصاية ، وحذف اسم علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وتعديل البنود ، فهدّد هارون الرشيد أبا معاوية الضرير وهو أحد محدّثي المرجئة ، وقال له : ( هممت أنّه من يثبت خلافة علي فعلت به وفعلت ) ، ولم يقف العبّاسيّون عند هذا الحد ، بل أسّسوا فرقة الراونديّة ، أسّسها المهدي ، وجعلت هذه الفرقة العبّاس هو الإمام بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثمّ لعبد الله بن العبّاس ثم . . . حتّى يصل الأمر إليه [2] . إذن ، عُدِّلَ البند ، وجُعِلَ مصدر السلسلة العبّاس بن عبد المطلب ؛ حتّى لا يطالب أبناء الحسن والحسين بالخلافة والوصيّة ، ونحن هنا لا نريد من البحث أكثر من ذلك ، وإلاّ فقد بقي من الكلام مزيد .
[1] مروج الذهب : ج 3 ، ص 282 ؛ تاريخ الطبري : ج 6 ، ص 84 ؛ تاريخ اليعقوبي : ج 3 ، ص 97 . [2] فرق الشيعة : ص 62 - 63 ؛ تاريخ ابن خلدون : ج 3 ، ص 218 ؛ مروج الذهب : ج 4 ، ص 236 .