وهذه الإمامة التي ثبتت لإبراهيم ( عليه السلام ) طلبها لذريّته من بعده ، حيث قال : ( ومن ذرّيّتي ) وقد استجاب الحقّ سبحانه دعاءه ، ولكن لم يجعلها في الظالمين من ذريّته ، وإنّما في غيرهم . يقول الرازي في ذيل هذه الآية : « وقوله : ( ومن ذرّيتي ) طلب للإمامة التي ذكرها الله تعالى ، فوجب أن يكون المراد بهذا العهد هو الإمامة ، ليكون الجواب مطابقاً للسؤال ، فتصير الآية كأنّه تعالى قال : ( لا ينال الإمامة الظالمين ، وكل عاص فإنّه ظالم لنفسه ) فكانت الآية دالّة على ما قلناه . فإن قيل : ظاهر الآية يقتضي انتفاء كونهم ظالمين ظاهراً وباطناً ، ولا يصح ذلك في الأئمّة والقضاة . قلنا : أمّا الشيعة ، فيستدلّون بهذه الآية على صحّة قولهم في وجوب العصمة ظاهراً وباطناً . وأمّا نحن فنقول : مقتضى الآية ذلك . إلاّ أنّا تركنا اعتبار الباطن فتبقى العادلة الظاهرة معتبرة » [1] . لكن لم يبيّن لنا الرازي ، لماذا ترك ما دلّت عليه الآية من وجوب العصمة ظاهراً وباطناً ، واكتفى بالعدالة الظاهريّة ، مع اعترافه بدلالة الآية على ذلك ، وكيف كان ( ستكتب شهادتهم ويسألون ) [2] . ومن الواضح أنّ استجابة دعائه في ذريّته ، لا يختص بالصلبيين فقط ، بل هو شامل لجميع ذريّته شريطة أن لا يكون ظالماً . وهذا ما أكّده الإمام الرضا ( عليه السلام ) بقوله : « أنّ الإمامة خصّ الله عزّ وجلّ بها إبراهيم الخليل ( عليه السلام ) بعد النبوّة والخلّة مرتبة ثالثة ، وفضيلة شرّفه بها وأشاد بها ذكره ، فقال : ( إنّي جاعلك للناس إماماً ) ، فقال الخليل ( عليه السلام ) سروراً بها : ( ومن ذرّيّتي ) قال الله تبارك وتعالى : ( لا ينال عهدي الظالمين ) فأبطلت هذه الآية إمامة كلّ ظالم إلى يوم القيامة ، وصارت في الصفوة ، ثمّ أكرمه الله تعالى بأن جعلها في ذريّته أهل الصفوة والطهارة ، فقال : ( ووهبنا له إسحق ويعقوب نافلة كلاًّ جعلنا صالحين وجعلناهم أئمّة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة
[1] التفسير الكبير : ج 4 ، ص 42 . [2] الزخرف : 19 .