سنّة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولم يتكلّم فيه أحد قبلك ، فاختر أي الأمرين شئت ، وإن شئت أن تجتهد برأيك لتقدّم فتقدم ، وإن شئت تتأخّر فتأخّر ) [1] . وكلام أبي بكر أكثر احتياطاً من كلام عمر ، لأنّه لم يجعل الأمر لرأي واحد ، بل جعله لآراء متعدّدة لعلها تنمّ عن تصرّف معيّن زمن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . وعن ابن مسعود قال : ( من عرض له منكم قضاء فليقضي بما في كتاب الله ، فإن لم يكن في كتاب الله فليقضي بما قضى فيه نبيّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فإن جاء أمر ليس في كتاب الله ولم يقضِ فيه نبيّه ، ولم يقضِ به الصالحون فليجتهد برأيه ) [2] . أضف إلى ذلك الاجتهادات المقابلة للنصوص الذي تبرّع بالقيام بها مجموعة من الصحابة ، أعطت الضوء الأخضر لمن يأتي بعدهم أن يجتهد بقياسه واستحسانه ومصالحه في الدين . أمّا الإماميّة الاثني عشريّة فقد آمنوا باستمرار الرسالة وحملها من قِبل خلفاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، الذي خصّهم بما تحتاج إليه الأمّة ، فقاموا بتغطية المستجدّات الزمانيّة والمكانيّة بالنصوص المودعة عندهم من قبل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ولقد تخرّج في زمن الصادق ( عليه السلام ) وحده أربعة آلاف من طلبة العلم ، منهم أصحاب المذاهب الأربعة ، واعترف أُولئك بفضل حضور حلقة درس الصادق ( عليه السلام ) كما روي عن أبي حنيفة قوله : ( لولا السنتان لهلك النعمان ) [3] ، تلك السنتان التي قضاها تحت منبر الصادق ( عليه السلام ) ، فهذه الجامعة النصوصيّة المستمدة من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أغنت الإماميّة عن دخول صراع مع المستجدّات ، ووضعت في تلك الفترة التي عاش الأئمّة فيها القواعدَ الأصوليّة والفقهيّة التي مهدت للغيبة ، يقول محمّد علي الأنصاري متحدّثاً عن تلك الفترة : ( وضعت نواة القواعد العامّة للفقه الجعفري ، ونقلت إلينا بشكل روايات ، ثمّ وضعت على طاولة البحث العلمي ، فكانت نتيجة ذلك بروز القواعد الأصوليّة
[1] المصدر السابق . [2] تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلاميّة : ص 177 ، كما في مقدّمة النص والاجتهاد . [3] التحفة الإثنى عشريّة : ص 8 .