والفقهيّة التي يعتمد عليها الإجتهاد ( بالمعنى العام ) حتّى اليوم ، من : الاستصحاب والبراءة الشرعيّة ، وقاعدة اليد ، وترجيح الروايات المتعارضة ، والعمل بالخبر الواحد وأمثال ذلك ، وهذه كلّها لها أهميّتها الخاصّة التي تميّز المذهب عن غيره ، وتجعله غنيّاً يماشي احتياجات كلّ عصر من دون تحريف ) [1] . ومن خلال هذه القواعد المنبثة في نصوص الروايات ، قضى أئمّة الشيعة على أكبر مشكلة تواجه فقهاء هذه الطائفة بعد الغيبة ، وبهذه القواعد أرسى المذهب الشيعي أُصوله المحمديّة ، فهرع العلماء في عصر الغيبة لتلك السفرة ، فألّفوا كتباً في جمعها ليدور رحى الإجتهاد حولها ، فألّف السيّد المرتضى ( المتوفى سنة 436 ه ) كتاب « الذريعة إلى أُصول الشريعة » بحث فيه عن القواعد الأصوليّة . يقول الأنصاري محمّد علي : ( إنّ الكتب الفقهيّة كانت على شكل كتب روائيّة ، ثمّ أخذت تتسع شيئاً فشيئاً ، فظهرت بشكل كتب فقهيّة مبوّبة واستدلاليّة مبنيّة على القواعد العامّة ، ومن كان لهم الأثر الكبير في هذه المحاولة الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد المتوفى ( سنة 413 ه ) وتلميذه الشريف السيّد المرتضى علم الهدى المتوفى ( سنة 436 ه ) ، وكان أكثرهم جهداً في هذه العمليّة شيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسي المتوفى ( سنة 460 ه ) ، فقد ألّف عدّة كتب فقهيّة وروائيّة وأُصوليّة ، منها الخلاف والنهاية والمبسوط في الفقه ، والتهذيب والاستبصار في الحديث ، والعدّة في الأصول ) [2] . وحمل الشيخ الطوسي على أُولئك الذين يتهمون التشيّع بقلّة فروعه لعدم استخدامه القياس والاجتهاد بالمعنى الخاص المتقدّم ، فقال : ( أمّا بعد ، فإنّي لا أزال أسمع معاشر مخالفينا من المتفقهة والمنتسبين إلى علم الفروع يستحقرون فقه أصحابنا الإماميّة ويستنزرونه وينسبونهم إلى قلّة الفروع وقلّة المسائل ، ويقولون : إنّهم أهل حشو ومناقضة ، وإنّ من ينفي القياس والاجتهاد لا
[1] مقدمة تاريخ حصر الإجتهاد : ص 41 - 42 . [2] مقدمة تاريخ حصر الإجتهاد : ص 43 - 44 .