تبلغ اليوم - رغم بعد الزمن ، وعصف الأعاصير ، ورغم كل عمليات المنع ، والإبادة ، والتحريف - تبلغ الآلاف [1] . فكيف بها تلك الأيام ، وهي لا تزال تمثل لرواتها - من الصحابة - بمنازلها ، ومناظرها ، وأحداثها ، ومناسباتها ، وأسبابها ؟ والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يزال حيا في الخواطر ، والأذهان ، يحدثهم بما لأهل بيته من فضل ، وما لهم من منزلة ومقام ؟ ! ولا شك في أن كثيرا من أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانت تشيد بعلي عليه السلام - زعيم أهل بيت النبي - عليه الصلاة والسلام ، وتنص عليه بالولاية والإمامة ، وكانت النصوص غضة ، نضرة ، تنبض مشاهدها بالحياة ، ويرن صداها في الأسماع . فلو كان مسموحا للأمة أن يتداولوها ، ويحدثوا بها ، ويكتبوها ، ويضبطوها لكانت ترتسم في الأذهان ، وتعلق بالأفكار ، وتنعقد عليها القلوب ، وتبنى بها قواعد العقائد ، فيكون لذلك تأثير سياسي عميق على نظام الحكم ، بلا ريب . فكان المنع الرسمي للحديث أفضل تدبير سياسي ، للوقوف في وجه ذلك . فالمصلحة المنشودة من هذا التدبير ، هي : إخفاء الأحاديث النبوية التي تدل على خلافة علي عليه السلام وإمامة أهل البيت عليهم السلام ، بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
[1] لاحظ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ( 4 / 73 ) .