فالذي يستغرب في الأمر : أن المصلحة المعتمدة لدى المانعين لم تذكر بوضوح ، ولم يعلن عنها ؟ ويبدو أن كل التبريرات المذكورة ، إنما ذكرت لمجرد إسكات المعارضين ، وخاصة تلك التي يتذرع فيها باسم القرآن وصيانته ؟ فكأن فيه إيماء إلى أن المعارضة ستتهم بالإساءة إلى القرآن وهدر كرامته ، بإقدامهم على تدوين الحديث ؟ ! ومن هنا يعرض لنا سؤال آخر : لماذا أخفوا المصلحة التي رأوها موجبة لمنع تدوين الحديث والسنة ، ولماذا لم يفصحوا عنها ؟ فالمصلحة التي تفرض : لا بد أن تحتوي علي العناصر التالية [1] . 1 - أن تكون خطيرة ، يخشى من إبدائها والإعلان عنها . 2 - أن تكون غير مقبولة من قبل المعارضين للمنع . 3 - أن يكون الممنوع مرتبطا بالقرآن ، ليتم للمانعين اعتذارهم بصيانة القرآن ، وأنهم لا يلبسوه بشئ . 4 - أن تكون زائلة بعد القرن الأول ، بحيث لم تعد للمنع مصلحة حينذاك ، فانقلب أمرها إلى الإباحة . وبعد التأمل العميق في ما يناسب أن يكون مصلحة للمنع من قبل المانعين ، تجتمع فيه العناصر المذكورة ، علمنا - بعون الله - أن المصلحة
[1] لقد تأملنا تاريخ التدوين لاستخراج هذه العناصر ، بعون الله وتوفيقه ، وكما يرى الباحث المدقق فإن كل واحد منها يستفاد من مكان في فصول هذا الكتاب .