مضافا إلى كل ذلك ، نقول : إن استمرار الخلاف في أمر التدوين ، وعدم خضوع المبيحين لإجراءات المنع ، دليل على أمرين : 1 - أن أحاديث النهي عن التدوين ليست صحيحة ، وإلا ، لم يكن أكثر الصحابة والتابعين على خلاف المنع ، بل فيهم من قام عملا بتدوين الحديث وجمعه في الصحف . 2 - أن المنع ، لم يكن أمرا شرعيا ، بل كان رأيا ارتآه المانعون ، استنادا إلى أمور خاصة ، ظهرت لهم ، ولم يوافقهم عليها سائر الصحابة . وهذا الأخير يتضح بشكل أكثر ، إذا لاحظنا تعليلاتهم للمنع ، تلك المختلفة ، بل المتنافية في بعض الجهات ، كما مر ذكر ذلك تفصيلا . بل ، إن لجوء المانعين إلى طرح مثل هذه التبريرات ، التي أثبتنا بطلانها ، لهو دليل واضح على عدم أصالة المنع كحكم شرعي . وإذا كان المنع على أساس ما يراه الصحابي مصلحة ، فإن للصحابة الآخرين حق الاعتراض عليه ، فلا يكون ما يراه الصحابي حجة على الصحابي الآخر ، إلا إذا أقام له الدليل الشرعي المقنع ، كما هو الحال في المجتهدين [1] . ولما لم تكن التبريرات المطروحة مقنعة للإجابة عن سبب المنع ؟
[1] لاحظ المستصفى للغزالي ( 1 / 261 - 262 ) فإنه قال : ليس بحجة فانقضاء الدليل ، والعصمة ، ووقوع الاختلاف بينهم ، وتصريحهم بجواز مخالفتهم فيه ، ثلاثة أدلة قاطعة . ولاحظ إرشاد الفحول للشوكاني ( ص 226 ) وحجية السنة ( ص 465 ) .