وأما الثاني - أي عدم وجوب حفظ ذلك على الخواطر - : فمع تسليم أن حفظ الحديث على الخاطر من الفضائل والمكارم ، إلا أن ذلك ليس من الواجبات ، وذلك : 1 - للاتفاق على عدم عده من الواجبات على المسلم ، المفروضة عليه عينا ، لا وجوبا نفسيا ، ولا وجوبا تبعيا ، إلا إذا تعلق به نذر أو عهد أو يمين ، وذلك حكم خاص بالمكلف بأحد هذه الأمور . أما أن يكون حفظ الحديث على الخاطر واحدا من الواجبات الأولية على المسلمين ، فلم نقف له على قائل . ولا أد ري : لماذا يؤكد هؤلاء - دعاة النهي عن التدوين - على الحفظ والحافظة والذكر والذاكرة ، على حساب الكتاب والكتابة والتدوين ؟ ولماذا يتهالكون هكذا على رعاية الحفظ ، بينما لم نجد في روايات الشرع وآياته ما يدل على لزوم الحفظ عشر معشار ما ورد من الروايات التي تدل على ضرورة الكتاب ولزوم الكتابة ؟ فإذا كان الحفظ بتلك المنزلة من الأهمية ، فلماذا لم يصرح الشارع في شئ من النصوص ، وحتى في شئ من روايات التدوين إذنا ومنعا ، على التأكيد عليه والحث على المواظبة عليه ! بينما وردت تلك المجموعة الكبيرة من الآيات والروايات والآثار المرتبطة بالكتاب والكتابة وأدواتها ، التي تشعر - بوضوح عن رغبة الشارع في التدوين ! [1] .
[1] قد ذكرنا في القسم الأول هنا مجموعة من تلك النصوص .