فإن حديث النهي - لو لم ينسخ بل كان باقيا مستمرا إلى ما بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم ، لما جاز للأمة أن تلجأ - ولو بعد القرن الأول - إلى التدوين ، وبشكل رسمي ، وعلني ، بل أصبح من الضرورات ، واستقر عليه رأي الجمهور ، فيما تأخر من العصور والقرون [1] . والأغرب من ذلك دعوى أن النهي ناسخ للإذن [2] قال الشيخ عبد الغني عبد الخالق : لا يصح بحال أن يكون النهي ناسخا للإذن ، لأمور ثلاثة : الأول : ما تقدم لك من أنه لا يصار إلى القول بالنسخ إلا عند العجز عن الجمع بين الدليلين المتعارضين بغيره ، وقد أمكن الجمع كما تقدم . الثاني : أن أحاديث الإذن متأخرة ، فحديث أبي شاه عام الفتح ، وحديث أبي هريرة متأخر - أيضا - لأن أبا هريرة متأخر الإسلام ، وحديثه همه صلى الله عليه وآله وسلم بكتابة كتاب لن تضل الأمة بعده كان في مرض موته صلى الله عليه وآله وسلم . الثالث : إجماع الأمة القطعي - بعد عصر الصحابة والتابعين - على الإذن وإباحة الكتابة ، وعلى أن الإذن متأخر عن النهي . . .
[1] أنظر تيسير الوصول لابن الديبع ( 3 / 177 ) وعلوم الحديث لابن الصلاح ( ص 171 ) وعلوم الحديث لصبحي ( ص 23 ) . [2] هو رأي صاحب المنار في مجلته ، العدد 10 للعام 10 ( ص 767 ) .