أن ما يدل عليه الحديث ، وهو النهي عن عموم كتابة غير القرآن لعموم الناس أمر لم يعمل به ، قطعا . فكثير من الناس قد كتبوا ، وكثير من الحديث قد كتب . وهذا بنفسه دليل على عدم الالتزام بما يدل عليه ظاهر الحديث ، وأن العمل قد تحقق على خلافه ، فلا بد - لو أريد التصديق به ، والتسليم به سنديا - من تخصيصه بما دل على الجواز من الأحاديث ، أو رفع اليد عنه . وقد اعترفوا بأن العلماء لم يلتزموا بما يدل عليه : قال شاكر : قد أجاب العلماء عن حديث أبي سعيد بأجوبة [1] وذكرها واختار منها ما ذكره بقوله : والجواب الصحيح أن النهي منسوخ بأحاديث أخرى دلت على الإباحة . . . مع استقرار العمل بين أكثر الصحابة والتابعين ، ثم اتفاق الأمة بعد ذلك على جوازها ، كل هذا يدل على أن حديث أبي سعيد منسوخ [2] . أقول : وسيأتي تفصيل هذا ، في مناقشتنا العامة لأحاديث النهي الشرعي ، في نهاية هذا الفصل . والغريب أن بعض المحققين جعل نفس هذا الحديث دليلا على أن تدوين الحديث بدأ في حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وقال : فألفاظ الحديث تدل على وجود من كان يدون الحديث في حياة الرسول الأولى [3] .
[1] الباعث الحثيث ( ص 127 ) . [2] المصدر السابق ( ص 7 - 128 ) . [3] ثبت البلدي ، مقدمة المحقق ( ص 77 ) .