ولا بد من الإشارة إلى أن دلالة النوعين الأخيرين من الأحاديث القولية ، على المقصود ، وهما : ما تضمن لفظ الكتابة وتصاريفها ، وما تضمن ذكر أدوات الكتابة ، إنما هو بالملازمة العرفية الواضحة ، وبيانها : أن تصدي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لذكر ذلك كله لا يناسب منع تدوين الحديث . إذ من الواضح جدا كون تلك الأحاديث بصدد ترغيب الأمة في الكتابة ومداولة أدواتها ، مما يدل على حسن الفعل في نظر الشارع المقدس ، كما لا يخفى على ذي فطنة . ومن الواضح - أيضا - أن الكتابة ومداولة أدواتها - إذا كانت أمرا جيدا وحسنا - لم تمنع السنة الشريفة - التي هي خير الحديث وتحتوي على أفضل الهدي - أن تستعمل بها . وإذا كانت الكتابة ومداولة أدواتها سائغة في ذاتها ، فإن ذلك في الحديث الشريف أسوغ وأفضل من غيره ، لاعتماد الشريعة المقدسة عليه . مضافا إلى أن كثيرا من تلك الأحاديث إنما وردت بشأن الحديث وأهله ، وقد استدل بكثير منها القائلون بالإباحة . وقد تأكد لنا في هذا الفصل ورود السنة الشريفة بإباحة تدوين الحديث ، مع صحة بعضها ، وحسن الآخر ، ومجموع تلك الروايات يؤكد بعضه بعضا بما ينتج الحجة الشرعية المعتبرة للاستناد ، ونسبة الحكم المذكور إلى الشارع الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم .