وهكذا يكون قد دخل في خدمة الدولة الفاطميّة وقد مضى على تأسيسها سبعة عشر عاما . ولا نعرف شيئا عن هذه الخدمة أكثر من أنّه كان يقوم بنقل أخبار عاصمة الخلافة إلى المهديّ ثم القائم ، ولعلّ هذه الوظيفة هي ما عرف في المشرق بديوان الخبر أو ديوان الرسائل . وخدم المنصور منذ أيّام الخليفة المهديّ ، وسنّ الأمير آنذاك دون العشرين ، ثم استمرّت علاقته به طيلة أيّام القائم فكان يورّق له [1] ويجمع الكتب ، فيرعاه المنصور بإحسانه . فلمّا آلت الخلافة إليه بعد وفاة القائم استقضاه ، فكان « أوّل من استقضاه من قضاته » ، وذلك في الفترة التي كتم فيها موت والده حتّى لا يكثر الإرجاف ، لانشغال الأذهان بفتنة أبي يزيد مخلد بن كيداد ( ما بين وفاة القائم سنة 334 وموت أبي يزيد سنة 336 ه ) . ووصف النعمان ما لقيه من المنصور في هذه المرحلة بأنّه « أعلى ذكره ، ورفع قدره ، وأنعم عليه من النّعم بما لو أخذ في وصفه لقطع بطوله ما أراد ذكره » . وقد قضّى هذه الحقبة من حياته الرسميّة قاضيا بطرابلس ، وكانت امتدادا لافريقيّة منذ العهد الأغلبيّ . وبعد إخماد الثورة الخارجيّة استقدمه المنصور من طرابلس [2] بعد فراغه من تأسيس عاصمته الجديدة المنصوريّة سنة 337 ه ، فنراه يخلع عليه ويحيطه بكل مظاهر التكريم ، ويأمره أن يقيم صلاة الجمعة ويخطب بجامع القيروان إذ لم يكن جامع المنصورية قد بني بعد ، ويعهد له بقضاء « المنصوريّة والقيروان وسائر مدن افريقيّة وأعمالها [3] » . وكان يجلس للقضاء بين الناس في سقيفة القصر بالمنصوريّة التي يبدو أنّها لم تستكمل عمرانها آنذاك ، « فضاقت الحال لذلك بأكثر الخصوم سيّما بالنّساء والضعفاء
[1] المجالس ص 80 وما بعدها . ولد المنصور برقادة سنة 301 ( انظر المقريزي في ك . المقفي ، ورقة 189 ب من نسخة باريس ) . [2] المجالس ، ص 51 . [3] المجالس ، ص 348 .