كان لا يلتفت إليه ، وكثير ممّن تقدّمنا / من ملوك الدنيا أنفق مثل هذا وأضعافه في معاصي اللَّه ( عج ) ، وفيما نتّقي شناعته عليه . وهذا شيء أردنا به وجه اللَّه ( عج ) وإقامة فرضه وإحياء سنّة جدّنا رسوله ( صلع ) وملَّة خليله إبراهيم ( ص ) ، ما أردنا بذلك إلَّا اللَّه ( عج ) والقربة بذلك إليه ، وما من هؤلاء من يريد بذلك التحبّب إليه ولا التزيّن بذلك عنده . وقد عزلنا لذلك مالا لا بدّ لنا من إنفاده فيه ، ووقّتنا له وقتا لابدّ لنا إن عشنا أن نبلغ به إليه - يريد مدّة هذا الشهر الذي وقّته لذلك ( صلع ) - . وكان من صنع اللَّه ( عج ) له أنّه لمّا كان يوم الأربعاء سلخ ربيع الأوّل هذا ، انقضى جميع من كان بالحضرة ومن حضر إليه من / البوادي ، واجتمع ذلك اليوم من الصبيان زهاء اثني عشر ألفا [1] فطهّروا عن آخرهم ، وتلاحق من غد بقايا من بقي من نحو ثلاثمائة ، فرآهم المعزّ لدين اللَّه ( ص ) من منظر كان له ، وقد اجتمعوا بباب القصر ، فأمر بتطهيرهم . فانقضى جميع [2] الناس عن آخرهم في الوقت الذي وقّته والحدّ الذي حدّه ، حتّى إنّهم لو حسبوا وقسّموا على تلك الأيّام لما اتّفق أن يكون ما هيّأه اللَّه ( عج ) من فراغهم عن آخرهم في الوقت الذي وقّته لهم . وجرى على ذلك جميع أهل الكور والبلدان بكلّ وجه ، وأخرج في ذلك من الأموال والخلع والنفقات ما لا يحصيه إلَّا من وقف عليه . وكانت أيّام هذا / الشهر أيّام أعياد ومسرّات وأفراح وهبات بكلّ وجه وجهة من مملكة أمير المؤمنين ( ص ) من بدو وحضر ، وعمّهم فضله [3] ، وتبيّن عليهم أثره ، وارتفق به أغنياؤهم ، وانتعش له فقراؤهم ، ودخلت المسرّة على أهل كلّ بيت منهم . وكان أثر جميل لم يسبقه إليه ( صع ) أحد قبله ، ولا أظنّ أنّ [4] أحدا يتّسع له مثله . والحمد للَّه على ما أولى وليّه وأنعم به عليه .
[1] كأن المقريزي نقل عبارة القاضي النعمان ، بتصرف . [2] أ : أمر جميع . [3] ب : من فضله . [4] أ : ولا ظن أحد . ب : ولا أظن أحد .